فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِيقٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

{ ولما جاءهم رسول من عند الله } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم ، هذا أشنع عليهم مما قبله { مصدق لما معهم } أي بصحة التوراة وأن التوراة بشرت بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم كان مجرد مبعثه مصدقا للتوراة فاتفقت التوراة والقرآن { نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب } أي اليهود { كتاب الله } أي التوراة قال السدي لما جاءهم صلى الله عليه وسلم عارضوه بالتوراة فاتفقت التوراة والفرقان فنبذوا التوراة لموافقة القرآن لها وأخذوا بكتاب آصف وسحر هاروت وماروت فلم يوافق القرآن ، أو لأنهم لما كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة الإيمان به وتصديقه واتباعه ، وبين لهم صفته ، كان ذلك منهم نبذا للتوراة ونقضا لها ورفضا لما فيها ، ويجوز أن يراد بالكتاب هنا القرآن أي لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول ، والأول أولى ، لأن النبذ لا يكون إلا بعد التمسك والقبول ، ولم يتمسكوا بالقرآن{[109]} .

{ وراء ظهورهم } هذا مثل يضرب لمن يستخف بالشيء فلا يعمل به ، تقول العرب اجعل هذا خلف ظهرك ودبر أذنك وتحت قدمك أي أتركه وأعرض عنه .

{ كأنهم لا يعلمون } تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئا مع كونهم يعلمون علما يقينا من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي ، ولكنهم لما لم يعلموا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم كانوا بمنزلة من لا يعلم ، وهم علماء اليهود تجاهلوا ، وحملهم على ذلك عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا قليلا .


[109]:قال ابن عباس: رضي الله عنه: هذا جواب لابن صوريا حيث قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمد ما جئتنا بشيء تعرفه، وما أنزل عليك من آية بينة فنتبعك بها فأنزل الله هذه الآية ولقد أنزلنا إليك...