فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَلَمَّا جَآءَهُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٞ لِّمَا مَعَهُمۡ نَبَذَ فَرِيقٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمۡ كَأَنَّهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ} (101)

وقوله : { وَرَاء ظُهُورِهِمْ } أي : خلف ظهورهم ، وهو : مثل يُضرب لمن يستخف بالشيء ، فلا يعمل به ، تقول العرب : اجعل هذا خلف ظهرك ، ودبر أذنك ، وتحت قدمك : أي اتركه ، واعرض عنه ، ومنه ما أنشده الفراء :

تميم بنُ زيدٍ لا تكوننَّ حَاجَتِي *** بظَهرٍ فلا يَعْيَا عليّ جوابُها

وقوله : { كتاب الله } أي : التوراة ؛ لأنهم لما كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبما أنزل عليه بعد أن أخذ الله عليهم في التوراة الإيمان به ، وتصديقه ، واتباعه ، وبين لهم صفته ، كان ذلك منهم نبذاً للتوراة ، ونقضاً لها ، ورفضاً لما فيها ، ويجوز أن يراد بالكتاب هنا : القرآن ، أي : لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم من التوراة نبذوا كتاب الله الذي جاء به هذا الرسول ، وهذا أظهر من الوجه الأول . وقوله : { كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } تشبيه لهم بمن لا يعلم شيئاً ، مع كونهم يعلمون علماً يقيناً من التوراة بما يجب عليهم من الإيمان بهذا النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم لما لم يعملوا بالعلم بل عملوا عمل من لا يعلم من نبذ كتاب الله وراء ظهورهم ، كانوا بمنزلة من لا يعلم .

/خ103