محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَلَوۡ أَنَّ أَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ ءَامَنُواْ وَٱتَّقَوۡاْ لَكَفَّرۡنَا عَنۡهُمۡ سَيِّـَٔاتِهِمۡ وَلَأَدۡخَلۡنَٰهُمۡ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ} (65)

/ [ 65 ] { ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم ( 65 ) } .

{ ولو أن أهل الكتاب } أي : مع ما عددنا من سيئاتهم { آمنوا } برسول الله صلى الله عليه وسلم وبما جاء به { واتقوا } مباشرة الكبائر { لكفرنا عنهم سيئاتهم } أي ذنوبهم { ولأدخلناهم جنات النعيم } في الآخرة مع المسلمين . وفيه إعلام بعظم معاصي اليهود والنصارى وكثرة سيئاتهم ، ودلالة على سعة رحمة الله تعالى وفتحه باب التوبة على كل عاص ، وإن عظمت معاصيه وبلغت مبالغ سيئات اليهود والنصارى ، وأن الإسلام يجب ما قبله وإن جل . وأن الكتابي لا يدخل الجنة ما لم يسلم .

قال الزمخشري : وفيه أن الإيمان لا ينجي ولا يسعد إلا مشفوعا بالتقوى ، كما قال الحسن : هذا العمود ، فأين الأطناب ؟ انتهى .

قال ناصر الدين في ( الانتصاف ) : هو ينتهز الفرصة من ظاهر هذه الآية فيجعله دليلا على قاعدته ، في أن مجرد الإيمان لا ينجي من الخلود في النار ، حتى ينضاف إليه التقوى . لأن الله تعالى جعل المجموع في هذه الآية شرطا للتكفير ولإدخال الجنة . وظاهره أنهما ما لم يجتمعا لا يوجد تكفير ولا دخول الجنة . وأنى له ذلك ؟ والإجماع والاتفاق من الفريقين- أهل السنة والجماعة ، والمعتزلة- على أن مجرد الإيمان يجب ما قبله ويمحوه كما ورد النص . فلو فرضنا موت الداخل في الإيمان عقيب دخوله فيه ، لكان كيوم ولدته أمه- باتفاق- مكفر الخطايا محكوما له بالجنة . فدل ذلك على أن اجتماع الأمرين ليس بشرط ، هذا إن كان المراد بالتقوى الأعمال . وإن كانت التقوى- على أصل موضعها- الخوف من الله عز وجل ، فهذا المعنى ثابت لكل مؤمن وإن قارف الكبائر ، وحينئذ لا يتم للزمخشري منه غرض . / وما هذا إلا إلحاح ولجاج في مخالفة المعتقد المستفاد من قوله{[3127]} عليه الصلاة والسلام : " من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى أو سرق " . كررها النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ، ثم قال : " وإن رغم أنف أبي ذر " . لما راجعه رضي الله عنه في ذلك ؛ ونحن نقول وإن رغم أنف القدرية . انتهى .


[3127]:- أخرجه البخاري في: 77- كتاب اللباس، 24- باب الثياب البيض، حديث 660 ونصه: عن أبي ذر قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم. ثم أتيته وقد استيقظ فقال: {ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك، إلا دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر". وكان أبو ذر إذا حدث بهذا، قال: وإن رغم أنف أبي ذر.قال عبد الله (أي البخاري): هذا عند الموت أو قبله، إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله، غفر له. وأخرجه مسلم في: 1- كتاب الإيمان، حديث 154 (طبعتنا).