ثم بين تعالى بعضا آخر من جناياتهم المنادية باستبعاد الإيمان منهم بقوله :
/ [ 70 ] { لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ( 70 ) } .
{ ولقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل } أي : على الإيمان بالله ورسله { وأرسلنا إليهم رسلا } ليقفوهم على ما يأتون وما يذرون في دينهم { كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم } أي : بما يخالف هواهم ويضاد شهواتهم من الأحكام الحقة . مع أن وضع الرسالة ، الدعوة إلى مخالفة الهوى { فريقا } منهم { كذبوا } مع ظهور دلائل صدقهم { وفريقا يقتلون } بعد التكذيب . سدا لدعوتهم إلى ما يخالف أهويتهم .
الأولى : قال الزمخشري : جواب الشرط محذوف يدل عليه قوله { فريقا كذبوا وفريقا يقتلون } كأنه قيل : كلما جاءهم رسول منهم ناصبوه .
قال الناصر في ( الانتصاف ) : ومما يدل على حذف الجواب أنه جاء ظاهرا في الآية الأخرى ، وهي توأمة هذه ، قوله تعالى{[3162]} : { أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون } . فأوقع قوله { استكبرتم } جوابا . ثم فسر استكبارهم وصنعهم بالأنبياء بقتل البعض وتكذيب البعض . فلو قدر الزمخشري ههنا الجواب المحذوف مثل المنطوق به في أخت الآية فقال : وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم استكبروا ، لكان أولى ، لدلالة مثله عليه .
/ الثانية : قال الزمخشري : فإن قلت : لم جيء بأحد الفعلين ماضيا وبالآخر مضارعا ؟ قلت : جيء { يقتلون } على حكاية الحال الماضية استفظاعا للقتل واستحضارا لتلك الحال الشنيعة ، للتعجيب منها .
قال في ( الانتصاف ) : أو يكون حالا على حقيقته . لأنهم داروا حول قتل محمد صلى الله عليه وسلم وقد قيل هذا الوجه في أخت هذه الآية في ( البقرة ) ؛ وقد مضى وجه اقتضاء صيغة الفعل المضارع لاستحضاره دون الماضي ، وتمثيله بقوله تعالى{[3163]} : { ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير } . فعدل عن ( فأصبحت ) على ( فتصبح ) تصويرا للحال واستحضارا لها في ذهن السامع ، ومنه{[3164]} :
بأني قد لقيت الغول تهوي *** بسهب كالصحيفة صحصحان
فأضربها بلا دهش فخرت*** صريعا لليدين وللجران
/ قال الخفاجي : اقتصر العلامة هنا على حكاية حال أسلافهم ، لقرينة ضمائر الغيبة ، وترك تلك الآية – يعني آية البقرة- على الاحتمالين لقرينة ضمائر المخاطبين . ليكون توبيخا وتعييرا للحاضرين بفعل آبائهم . ولذا عقبت هذه الآية بقصة عيسى عليه الصلاة والسلام . فتأمل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.