تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عبس مكية وآياتها ثنتان وأربعون ، نزلت بعد سورة النجم ، وتسمى أيضا سورة السّفرة . ولهذه السورة جو خاص ، ذلك أنها بُدئت بعتاب النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، من أجل رجل أعمى جاءه يطلب أن يتعلم القرآن فيما كان عند رسول الله عدد من زعماء قريش ، يدعوهم للإسلام ويذكّرهم بأيام الله ، ويحذّرهم بطشه وجبروته ، ويعِدهم أحسن الثواب إن هم أسلموا . وكان شديد الحرص على إسلامهم ، لأنه يعلم أنه سيُسلم خلق كثير إذا هم أسلموا . فلما جاءه عبد الله بن أم مكتوم ( وهو رجل أعمى ) وألحّ بالسؤال أن يعلمه مما علّمه الله ، تضايق منه الرسول الكريم وعَبَسَ في وجهه ، وأعرض عنه ، وشُغل عنه بزعماء قريش .

وبعد العتاب الذي استغرق عشر آيات ، بيّن الله تعالى أن هذا القرآن ذكرى وموعظة لمن كان له عقل وتدبّر ما جاء فيه ، وأنه في صحف مكرّمة عالية القدر والمكانة ، منزهة عن كل نقص ، بأيدي ملائكة كرام بررة جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله .

ثم بعد ذلك أخذت السورة تعالج جحود الإنسان وكفره الفاحش لربه ، وتذكره بمصدر وجوده وأصل نشأته من ماء مهين ، ثم كيف سيّره ربه إلى الطريق السويّ ، وعلّمه ما لم يكن يعلم ، ثم مصيره إلى الموت والبعث للحساب .

بعد ذلك يذكّره الله بتوجيهه إلى أمس الأشياء به ، وهو طعامه وشرابه . . كيف ينزل الماء من السماء ، ويُنبت به الحَبّ والفاكهة ، ويجعل الحدائق الجميلة كثيفة الأغصان ، كل ذلك له ولأنعامه التي يستعملها ويقتات بلحومها .

وتأتي الخاتمة بعرض يوم القيامة ، { فإذا جاءت الصاخّة } ونُشر الناس كالفراش المبثوث ، في ذلك اليوم يهرب المرء من أخيه وأمه وأبيه ، وزوجته وبنيه ، ويكون { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } ويَشغله .

عبس : قطّب وجهه من ضيق الصدر .

تولّى : أعرض .

نزلت هذه السورةُ الكريمة في عبدِ الله بن أُم مكتوم ابن خالِ خديجة بنتِ خويلد رضي الله عنها ، وكان رجلاً أعمى ، ومن أول الناس إسلاما . وكان من المهاجرين الأولين والمؤذِّنَ الثاني لرسول الله ، وقد استخلفه الرسولُ الكريم على المدينة ، وكان يصلّي بالناس مرارا . وقد جاء هذا الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده جماعة من زعماءِ قريش منهم : عتبة وشَيبة ابنا ربيعة ، وأبو جهلٍ عمرو بن هشام ، والعباسُ بن عبد المطلب ، وأُميةُ بن خلف ، والوليدُ بن المغيرة . وكان النبي الكريم محتفياً بهم يدعوهم إلى الإسلام ويرغّبهم فيه رجاءَ أن يُسلموا ، لأنه يعلم أنهم إذا أسلموا تَبِعَهم خَلْقٌ كثير .

فجاء ابنُ أُم مكتوم وقال : يا رسولَ الله ، أرشِدني ، وعلِّمني مما علمك الله . . وكرر ذلك وهو لا يعلم من عنده . فكره الرسولُ قَطْعَه لكلامه ، وظهر ذلك على وجهه ، إذ عَبَسَ وأعرض عنه .

وقد عاتب الله نبيَّه الكريمَ بأنّ ضَعْفَ ذلك الأعمى وفقره لا ينبغي أن يكون باعثاً على كراهةِ كلامه والإعراضِ عنه ، فإنه حيُّ القلب ذكيُّ الفؤاد ، إذا سمع الحكمةَ وعاها ، فيتطهَّرُ بها من أوضارِ الشِرك .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

{ عبس وتولى }

شرح الكلمات :

{ عبس } : أي النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى كلح وجهه وتغيّر .

{ وتولى } : أي أعرض .

المعنى :

قوله تعالى { عبس وتولى أن جاءه الأعمى } هذا عتاب لطيف يعاتب به الله سبحانه وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فالذي عبس بمعنى قطب وجهه وأعرض هو رسول الله صلى الله عليه وسلم والأعمى الذي لأجله عبس رسول الله وأعرض عنه هو عبد الله بن أم مكتوم الأعمى أحد المهاجرين ابن خال خديجة بنت خويلد أم المؤمنين . وسبب هذا العتاب الكريم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مكة يوما ومعه صناديد قريش عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل والعباس بن عبد المطلب وأميّة بن خلف يدعوهم إلى الإِسلام مجتهدا معهم يرغبهم ويرهبهم طمعا في إسلامهم فجاء عبد الله بن أم مكتوم ينادي يا رسول الله اقرئني وعلمني مما علمك الله وكرر ذلك مرارا فانزعج لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره رسوله الله صلى الله عليه وسلم قطعه لحديثه مع القوم فعبس وتولى عنه لا يجيبه ، وما إن عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزله حتى نزلت هذه الآيات { عبس وتولى } أي قطب وأعرض { أن جاءه الأعمى وما يدريك } أي وما يعلمك أنه { يزكى } بما يطلب من القرآن والسنة أي يريد زكاة نفسه وتطهير روحه بما يتعلمه منك ، أو يذكر فتنفعه الذكرى . أي وما يعلمك لعله بندائه لك وطلبه منك أن يتذكر بما يسمع منك فيتعظ به وتنفعه الذكرى منك .

/ذ1

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

بيان إجمالي للسورة

هذه السورة مكية وعدد آياتها ثنتان وأربعون . وهي يكشف عن عظيم مضمونها وروعة مدلولها تسميتها بهذا الإسم ، ليتبين من ذلك أنه ما ينبغي لمسلم أن يعبس في وجه أخيه بسبب فقره أو ذله أو هوان حاله . وإنما يراعي فيه إيمانه وآدميته وصلوحه . وعلى هذا فإن السورة هنا مبدوءة بقصة ابن أم مكتوم الأعمى . هذا الذي عبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه لما جاءه يسترشده ويستهديه ، وهو مشغول بالحديث إلى صناديد قريش المشركين رغبة في إسلامهم . لكن الله جل وعلا عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم عتابا شديدا لعبوسه في وجه المؤمن المستضعف الأعمى . فما كان بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشغل عن إرشاد مؤمن كريم على الله ، فيتهلى عنه بمخاطبة المشركين . وفي ذلك بيان ظاهر ساطع للناس طيلة الزمن أن الإسلام لا يحابي أحدا لعلو جاهه أو سيادته أو غناه . لا يعبأ الإسلام باعتبارات الناس وموازينهم الخاطئة ومن جملتها تكريم الناس بالنظر إلى منازلهم الاجتماعية من المال أو الجاه أو الزعامة والرياسة . لا يعبأ الإسلام بشيء من ذلك البتة . إنما يراعي الإسلام مقادير الناس تبعا لتقواهم { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } ويضاف إلى هذه الحقيقة ظاهرة العلم . لا جرم أن العلم والتقوى معا ، هما ميزان الإسلام الذي تعرف به مقادير الناس واعتباراتهم ، سواء كانوا من العظماء أو الأغنياء أو الفقراء أو الأراذل ، رجالا أو نساء .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ عبس وتولى 1 أن جاءه الأعمى 2 وما يدريك لعله يزّكّى 3 أو يذّكّر فتنفعه الذكرى 4 أما من استغنى 5 فأنت له تصدى 6 وما عليك ألا يزّكّى 7 وأما من جاءك يسعى 8 وهو يخشى 9 فأنت عنه تلهّى 10 كلا إنها تذكرة 11 فمن شاء ذكره 12 في صحف مكرمة 13 مرفوعة مطهرة 14 بأيدي سفرة 15 كرام بررة } .

وسبب نزول هذه الآيات هو ابن أم مكتوم الأعمى . فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وأبيّا بن خلف وأمية ابن خلف ، ويدعوهم إلى الله تعالى ويرجو إسلامهم . فقام ابن أم مكتوم وقال : يا رسول الله علّمني مما علمك الله . وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه . وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد . فعبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله تعالى هذه الآية . فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه . وإذا رآه يقول : " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " {[4757]} .

قوله : { عبس وتولى } عبس ، أي كلح بوجهه أو قبضه تكرّها . من العبوس والتعبس وهو التجهم . ويوم عبوس أي شديد {[4758]} { وتولى } أي أعرض .


[4757]:أسباب النزول للنيسابوري ص 297.
[4758]:مختار الصحاح ص 409.