إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عبس مكية ، وآيها اثنتا وأربعون .

{ عَبَسَ وتولى * أَن جَاءهُ الأعمى } رُويَ أنَّ ابنَ أمِّ مكتومٍ واسمُه عبدُ اللَّه بنُ شُريحِ بنِ مالكِ بنِ أبي ربيعةَ الفهريُّ وأمُّ مكتومٍ اسمُ أبيهِ أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعندَهُ صناديدُ قريشٍ عتبةُ وشيبةُ ابنا ربيعةَ وأبُو جهل بنُ هشامٍ والعباسُ بنُ عبدِ المطلبِ وأميةُ بنُ خلفٍ والوليدُ بنُ المغيرةِ يدعُوهم إلى الإسلامِ رجاءَ أنْ يسلمَ بإسلامِهم غيرُهم فقالَ له : يا رسولَ الله أقرئْنِي وعلمنِي مما علمكَ الله تعالَى ، وكررَ ذلكَ وهو لا يعلمُ تشاغلَهُ عليه الصلاةُ والسلامُ بالقوم فكرِه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قطعَهُ لكلامِه وعبسَ وأعرضَ عنه فنزلتْ . فكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكرمُه ويقولُ إذا رآه : «مرحباً بمن عاتبَني فيه ربِّي » ويقولُ لهُ : «هل لكَ من حاجةٍ » واستخلفَهُ على المدينة مرتينِ وقرئ عبَّس بالتشديدِ للمبالغةِ وأنْ جاءَهُ علةٌ لتولَّى أو عَبَس على اختلافِ الرأيينِ أيْ لأَنْ جاءَهُ الأعمى والتعرضُ لعنوانِ عماهُ إمَّا لتمهيدِ عُذرِه في الإقدامِ على قطعِ كلامِه عليه الصلاةُ والسلامُ بالقومِ والإيذانِ باستحقاقِه بالرفقِ والرأفةِ وإمَّا لزيادةِ الإنكارِ كأنَّه قيلَ : تولَّى لكونِه أَعْمى كما أنَّ الالتفاتَ في قولِه تعالى : { وَمَا يُدْرِيكَ } .