الصلب : فقار الظهر ، منطقة العمود الفقري ، يقال : من صُلب فلان يعني من ذريته .
أيْ من الصُّلب وعظم الصدر من الرجل والمرأة ، فإذا دخَل المنيُّ رحِمَ المرأة وكانت مهيَّأةً للحمل التقى بالبيضة التي في الرحم ، وكوّنت معه جرثومة الجَنين .
وقد بينت الدراسات الحديثة أن نواةَ الجهاز التناسلي والجهاز البولي في الجَنين تظهر بين الخلايا الغضروفية المكوِّنةِ لعظام العَمودِ الفَقري وبين الخلايا المكونةِ لعظام الصدر .
وتبقَى الكُلى في مكانها وتنزل الخَصيةُ إلى مكانها الطبيعي في الصَفَنِ عند الولادة . كما أن العصب الذي ينقل الإحساسَ إليها ويساعدها على إنتاج الحيوانات المنوية وما يصاحب ذلك من سوائل ، متفرعٌ من العصَب الصدريّ العاشر الذي يغادر النخاعَ الشوكيَّ بين الضِلعَين العاشر والحادي عشر .
وواضح من ذلك أن الأعضاءَ التناسلية وما يغذّيها من أعصابٍ وأوعية تنشأ من موضع في الجسم بين الصُّلب والترائب ، « العمود الفقري والقفص الصدري » .
وهذه الأمور الدقيقة لم يكتشِفها العِلم إلا حديثاً بعد هذه القرون الطويلة . ومن هذه يتبين بوضوحٍ أن الإنسانَ يُخْلَق وينشأ من ماءِ الرجل الدافق ، وأهمُّ ما فيه الحيوانُ المنوي ؛ وماء المرأة وأهم ما فيه البُوَيضة . ونشوؤهما وغذاؤهما وأعصابُهما كلُّها من بين الصلب والترائب .
" يخرج " أي هذا الماء " من بين الصلب " أي الظهر . وفيه لغات أربع{[15928]} : صلب ، وصلب - وقرئ بهما - وصلب ( بفتح اللام ) ، وصالب ( على وزن قالب ) ، ومنه قول العباس{[15929]} :
" والترائب " أي الصدر ، الواحدة : تريبة ، وهي موضع القلادة من الصدر . قال :
مهفهفةٌ بيضاءُ غيرُ مُفَاضَةٍ *** تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ{[15930]}
والصلب من الرجل ، والترائب من المرأة . قال ابن عباس : الترائب : موضع القلادة . وعنه : ما بين ثدييها ، وقاله عكرمة . وروي عنه : يعني ترائب المرأة : اليدين والرجلين والعينين ، وبه قال الضحاك . وقال سعيد بن جبير : هو الجيد . مجاهد : هو ما بين المنكبين والصدر عنه : الصدر . وعنه : التراقي . وعن ابن جبير عن ابن عباس : الترائب : أربع أضلاع من هذا الجانب . وحكى الزجاج : أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر ، وأربع أضلاع من يسرة الصدر . وقال معمر بن أبي حبيبة المدني : الترائب عصارة القلب ، ومنها يكون الولد . والمشهور من كلام العرب : أنها عظام الصدر والنحر{[15931]} . وقال دريد بن الصمة :
فإن تُدبروا نأخُذْكُم في ظهوركم *** وإن تُقبِلوا نأخذكم في الترائبِ
وبدت كأن ترائبا من نحرها *** جمرُ الغَضَى في ساعد تتوقد
والزعفرانُ على ترائبِهَا *** شَرِقٌ بِهِ اللبات والنحر{[15932]}
وعن عكرمة : الترائب : الصدر . ثم أنشد :
ضَرَجْنَ البُرُودَ عن ترائب حرة{[15933]}
أي شققن . ويروى " ضرحن " بالخاء ، أي ألقين . وفي الصحاح : والتربية : واحدة الترائب ، وهي عظام الصدر ، ما بين الترقوة والثندوة . قال الشاعر :
أشرفَ ثَدياها على التَّرِيبِ{[15934]}
ومِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ{[15935]} على تَرِيبٍ *** كلون العاج ليس بذي{[15936]} غُضُونِ
[ عن غير الجوهري : الثندوة للرجل : بمنزلة الثدي للمرأة . وقال الأصمعي : مغرز الثدي . وقال ابن السكيت : هي اللحم الذي حول الثدي ، إذا ضممت أولها همزت ، وإذا فتحت لم تهمز{[15937]} ] . وفي التفسير : يخلق من ماء الرجل الذي يخرج من صلبه العظم والعصب . ومن ماء المرأة الذي يخرج من ترائبها اللحم والدم ، وقاله الأعمش . وقد تقدم مرفوعا في أول سورة " آل عمران " {[15938]} . والحمد لله - وفي ( الحجرات ) " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " [ الحجرات :31 ] وقد تقدم{[15939]} . وقيل : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ، ثم يجتمع في الأنثيين . وهذا لا يعارض قوله : " من بين الصلب " ؛ لأنه إن نزل من الدماغ ، فإنما يمر بين الصلب والترائب . وقال قتادة : المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة . وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب ، وعليه فيكون معنى من بين الصلب : من الصلب . وقال الحسن : المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، ومن صلب المرأة وترائب المرأة . ثم إنا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن ؛ ولذلك يشبه الرجل والديه كثيرا{[15940]} . وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني . وأيضا المكثر من الجماع يجد وجعا في ظهره وصلبه ، وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبسا من الماء . وروى إسماعيل عن أهل مكة " يخرج من بين الصلُب " بضم اللام . ورويت عن عيسى الثقفي . حكاه المهدوي وقال : من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، فالضمير في " يخرج " للماء . ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، فالضمير للإنسان . وقرئ " الصلب " ، بفتح الصاد واللام . وفيه أربع لغات{[15941]} : صلب وصلب وصلب وصالب . قال العجاج :
في صَلَبٍ مثلِ العِنَانِ المؤدَمِ
وفي مدح النبي صلى اللّه عليه وسلم :
تنقل من صالبٍ إلى رحم{[15942]}
قوله : { يخرج من بين الصلب والترائب } يتكون الماء الذي يخلق منه الإنسان من ماء الرجل وماء المرأة . فهما ممتزجان في ماء واحد . إذ يخرج ماء الرجل من بين الصلب . وهو صلب الرجل أي ظهره . والترائب . أي ترائب المرأة جمع تربية وهي موضع القلادة من الصدر ، وقيل : الترائب ، ما بين الثديين ، وقيل : ما بين المنكبين والصدر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.