تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ} (17)

تواصَوا بالصبر : نصح الناس بعضهم بعضا بالصبر .

ثم إن هؤلاء الذين يقتحمون العقبة بإنفاق أموالهم في وجوه البرّ والإحسان يكونون من المؤمنين الذين يعملون الخير ، ويوصي بعضُهم بعضاً بالصبر والرحمة . . يرحمون عبادَ الله ويواسُونهم ويساعدونهم .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ} (17)

{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا }{[1433]}  أي : آمنوا بقلوبهم بما يجب الإيمان به ، وعملوا الصالحات بجوارحهم . من كل قول{[1434]}  وفعل واجب أو مستحب . { وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } على طاعة الله وعن معصيته ، وعلى أقدار المؤلمة بأن يحث بعضهم بعضًا على الانقياد لذلك ، والإتيان به كاملًا منشرحًا به الصدر ، مطمئنة به النفس .

{ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } للخلق ، من إعطاء محتاجهم ، وتعليم جاهلهم ، والقيام بما يحتاجون إليه من جميع الوجوه ، ومساعدتهم على المصالح الدينية والدنيوية ، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لنفسه .


[1433]:- سبق قلم الشيخ فزاد في الآية "وعملوا الصالحات" فحذفت الزيادة في الآية وأبقيت التفسير.
[1434]:- في ب: فدخل في هذا كل قول.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ} (17)

قوله تعالى : " ثم كان من الذين آمنوا " يعني : أنه لا يقتحم العقبة من فك رقبة ، أو أطعم في يوم ذا مسغبة ، حتى يكون من الذين آمنوا ، أي صدقوا ، فإن شرط قبول الطاعات الإيمان بالله . فالإيمان بالله بعد الإنفاق لا ينفع ، بل يجب أن تكون الطاعة مصحوبة بالإيمان ، قال الله تعالى في المنافقين : " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله{[16083]} " . [ التوبة : 54 ] . وقالت عائشة : يا رسول الله ، إن ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ، ويطعم الطعام ، ويفك العاني ، ويعتق الرقاب ، ويحمل على إبله لله ، فعل ينفعه ذلك شيئا ؟ قال : [ لا ، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ] . وقيل : " ثم كان من الذين آمنوا " أي فعل هذه الأشياء وهو مؤمن ، ثم بقي على إيمانه حتى الوفاة ؛ نظيره قوله تعالى : " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى{[16084]} " [ طه : 82 ] . وقيل : المعنى ثم كان من الذين يؤمنون بأن هذا نافع لهم عند الله تعالى . وقيل : أتى بهذه القرب لوجه الله ، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم . وقد قال حكيم بن حزام بعدما أسلم ، يا رسول الله ، إنا كنا نتحنث{[16085]} بأعمال في الجاهلية ، فهل لنا منها شيء ؟ فقال عليه السلام : [ أسلمت على ما أسلفت من الخير ] . وقيل : إن " ثم " بمعنى الواو ، أي وكان هذا المعتق الرقبة ، والمطعم في المسغبة ، من الذين آمنوا . " وتواصوا " أي أوصى بعضهم بعضا . " بالصبر " أي بالصبر على طاعة الله ، وعن معاصيه ، وعلى ما أصابهم من البلاء والمصائب . " وتواصوا بالمرحمة " بالرحمة على الخلق ، فإنهم إذا فعلوا ذلك رحموا اليتيم والمسكين .


[16083]:آية 54 سورة التوبة.
[16084]:آية 82 سورة طه.
[16085]:أي نتقرب إلى الله.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ} (17)

{ ثم كان من الذين آمنوا } ثم هنا للتراخي في الرتبة لا في الزمان ، وفيها إشارة إلى أن الإيمان أعلى من العتق والإطعام ، ولا يصح أن يكون للترتيب في الزمان لأنه لا يلزم أن يكون الإيمان بعد العتق والإطعام ولا يقبل عمل إلا من مؤمن .

{ وتواصوا بالصبر } أي : وصى بعضهم بعضا بالصبر على قضاء الله وكأن هذا إشارة إلى صبر المسلمين بمكة على إذاية الكفار .

{ وتواصوا بالمرحمة } أي : وصى بعضهم بعضا برحمة المساكين وغيرهم ، وقيل : الرحمة كل ما يؤدي إلى رحمة الله .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ} (17)

ولما كانت هذه الأفعال خيراً في نفسها تدل على جودة الطبع وعلو الهمة وكرم العنصر وإباء النفس إشارة إلى شدة حسنها لأنه لا يوفق لها إلا مخلص وإن كان غير مستند إلى شرع وإلى ما يفيده من سلالة الطبع وسهولة الانقياد وإلى عظمة الإيمان بالتعبير بأداة التراخي في قوله مشيراً إلى العقبة الثانية وهي الحكمة المزكية للقوة النطقية : { ثم كان } أي بعد التخلق بهذه الأخلاق الزاكية العالية النفيسة الغالية في حال كفره أو مبادىء إسلامه للدلالة على صفاء جبلته وجودة عنصره من الراسخين في الإيمان المعبر عنه بقوله : { من الذين آمنوا } أي عند ما دعاه إليه الهادي ، ولم تحمله حمية الأنف وشماخة النفس على الإباء عن أن يكون تابعاً بعد ما كان متبوعاً ، وسافلاً في زعمه إثر ما كان رفيعاً ، بل سدد النظر وقوم الفكر فأيقن أنه يعلي نفسه من الحضيض إلى ما فوق السهى ، يرقيها في درج المعالي إلى ما ليس له انتهاء ،

{ إن في ذلك لآيات لأولي النهى }[ طه : 54 ، 128 ] فحينئذ يعلم استقامة طبعه وكرم غريزته وعليَّ همته وحسن نيته وجميل طويته وغزارة عقله وجلالة نبله وفضله واستحقاقه التقدم على الأعلام في الجاهلية والإسلام ، ولذلك كان الصديق رضي الله تعالى عنه أعلى الناس درجة بعد النبيين عليهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام ، لأن هذه كانت أفعاله رضي الله تعالى عنه قبل الإسلام كما قال ابن الدغنة حين وجده قد خرج من مكة المشرفة يريد الهجرة حين آذاه الكفار : إن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ، إنك لتصل الرحم وتقري الضيف وتحمل الكلَّ وتعين على نوائب الحق - كما قالت خديجة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم حين رجع إليها ترجف بوادره من تجلي جبريل عليه الصلاة والسلام له سواء ، فلما سرب في رحيب مسربه ، وشرب من صافي مشربه توفيقاً من الله تعالى لم يتلعثم حين دعاه إلى الدين ولا كانت عنده كبوة ولا تردد ، ثم ترقى في درجات الإسلام إلى أعلى مرام بحيث قال يوم الحديبية لعمر رضي الله عنهما حين أظهر الكراهة للصلح ما قال له النبي صلى الله عليه وسلم سواء حرفاً بحرف من غير أن يكون حاضره أو ينقل إليه كلامه ، فسار حينئذ حائزاً قصب السبق ، لا مطمع في مداناته ، فكيف بلحاقه ومساواته ، ولكماله وعظمته وجلاله لم يشرب قط خمراً ، وكان إذا ليم على ذلك في الجاهلية قال لعشراء : والله لو وجدت شيئاً يزيد في عقلي لاشتريته بجميع مالي فكيف أشتري بمالي ما يزيل عقلي . وتلك الأعمال لا تصح وإن كانت ممدوحة في كل حال إلا بالإيمان ، أما إن كانت بعده فواضح ، وأما إن كانت قبله فبانعطافه عليها كما قال صلى الله عليه وسلم : " أسلمت على ما سلف منك من خير " .

ولما كان الإيمان معلياً للإنسان عن درك الهوان إلى عظم الشأن ، حاملاً له على محاسن الأعمال ومكارم الأفعال ، وذلك أنه يقود إلى جميع شرائع الدين العظيمة الشأن ، وكانت موجبة للجهاد الأكبر من حيث مخالفتها للطبع ، وكان ذلك غير مقدور عليه إلا بالشجاعة وهي القوة الثالثة التي إذا هدئت أراحت ، وكانت لا تكون إلا بعظيم الصبر ، وكان الصبر لمرارته لا يدوم إلا بالتعاون قال تعالى : { وتواصوا } أي صبروا وأوصى بعضهم بعضاً { بالصبر } في اقتحام عقبات الأعمال التي لا يجوزها إلا أبطال الرجال من الأمر بالمعروف إلى ما دونه وإن كان فيه الحتوف ، فإن الشجاعة كما قيل صبر ساعة .

ولما كان الإنسان لا بد أن يعرض له من غيره من الخلاف ما يوجب قسوته عليه ، فكانت الرحمة من ثمرات الاصطبار المثمر للعدالة ، وهي التوسط بين مذمتي الإفراط والتفريط في الفسق والبله وهي العقبة الرابعة ، قال مؤكداً بإعادة العامل إشارة إلى قلة العاملين بها : { وتواصوا بالمرحمة * } أي الرحمة العظيمة بحسب زمانها ومكانها بأن يوطنوا أنفسهم على كل ما يحمل على الرحمة العظيمة التي توجب لهم الحب في الله والبغض فيه لأنهم كانوا قبل الإيمان خالصين عن الرياء والإعجاب متهيئين للتزكية فزكاهم الإيمان ، فصاروا في غاية النورانية والعرفان .