قوله تعالى : " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض " هذا أمر إباحة ، كقوله تعالى : " وإذا حللتم فاصطادوا{[14992]} " [ المائدة : 2 ] . يقول : إذا فرغتم من الصلاة فانتشروا في الأرض للتجارة والتصرف في حوائجكم . " وابتغوا من فضل الله " أي من رزقه . وكان عراك بن مالك إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال : اللهم إني أجبت دعوتك ، وصليت فريضتك ، وانتشرت كما أمرتني ، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين . وقال جعفر بن محمد في قوله تعالى : " وابتغوا من فضل الله " إنه العمل في يوم السبت . وعن الحسن بن سعيد بن المسيب : طلب العمل . وقيل : التطوع . وعن ابن عباس : لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا ، إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة الأخ في الله تعالى . " واذكروا الله كثيرا " أي بالطاعة واللسان ، وبالشكر على ما به أنعم عليكم من التوفيق لأداء الفرائض . " لعلكم تفلحون " كي تفلحوا . قال سعيد بن جبير : الذكر طاعة الله تعالى ، فمن أطاع الله فقد ذكره ومن لم يطعه فليس بذاكر وإن كان كثير التسبيح . وقد مضى هذا مرفوعا في " البقرة{[14993]} " .
ولما حث على الصلاة{[65360]} وأرشد إلى أن{[65361]} وقتها لا يصلح لطلب شيء غيرها ، وأنه متى طلب فيه شيء من الدنيا محقت بركته مع ما اكتسب من الإثم ، بين وقت المعاش{[65362]} فقال مبيحاً لهم ما كان حظر عليهم ، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما{[65363]} : إن شئت فاخرج وإن شئت فاقعد : { فإذا قضيت الصلاة } أي وقع الفراغ منها على أي وجه كان { فانتشروا } أي فدبوا وتفرقوا مجتهدين في الأرض في ذلك { في الأرض } جميعها{[65364]} إن شئتم ، لا حجر عليكم ولا حرج رخصة من الله لكم { وابتغوا } أي وتعمدوا وكلفوا أنفسكم مجتهدين بالسعي{[65365]} في طلب المعاش { من فضل الله } أي نافلة الملك الأعلى الذي له كل كمال ولا يجب {[65366]}لأحد عليه{[65367]} شيء بالبيع والشراء وغيرهما من مصالح الدين والدنيا التي كنتم نهيتم عنها .
ولما كان السعي في طلب الرزق ملهياً عن الذكر ، بين أنه أعظم السعي في المعاش وأن من غفل عنه لم ينجح له {[65368]}مقصد و{[65369]}إن تحايل له بكل الحيل وغير ذلك فقال : { واذكروا الله } أي الذي بيده كل شيء ولا شيء لغيره فإنه لا رخصة في ترك ذكره أصلاً . ولما كان العبد مطلوباً بالعبادة في كل حال فإنه مجبول على النسيان . فمهما فتر عن نفسه استولت عليها{[65370]} الغفلة فمرنت على البطالة فهلكت قال : { كثيراً } أي بحيث لا تغفلوا عنه بقلوبكم{[65371]} أصلاً ولا بألسنتكم حتى عند الدخول إلى الخلاء وعند أول الجماع وعند الإنزال ، واستثنى من اللساني و{[65372]}قت التلبس بالقذر كالكون في قضاء الحاجة .
ولما كان مراد الإنسان من جميع تصرفاته الفوز بمراداته{[65373]} قال معللاً لهذا الأمر : { لعلكم تفلحون * } أي لتكونوا عند الناظر لكم والمطلع عليكم من أمثالكم{[65374]} ممن يجهل العواقب على رجاء من أن تظفروا بجميع مطلوباتكم ، فإن الأمور كلها بيد من تكثرون ذكره ، وهو عالم بمن يستحق الفلاح فيسعفه به وبمن عمل رياء ونحوه فيخيبه ، فإذا امتثلتم أمره كان جديراً بتنويلكم ما تريدون ، وإن نسيتموه كنتم جديرين{[65375]} بأن يكلكم إلى أنفسكم فتهلكوا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.