الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ} (7)

" يخرج " أي هذا الماء " من بين الصلب " أي الظهر . وفيه لغات أربع{[15928]} : صلب ، وصلب - وقرئ بهما - وصلب ( بفتح اللام ) ، وصالب ( على وزن قالب ) ، ومنه قول العباس{[15929]} :

تُنْقَلُ من صالبٍ إلى رَحِمٍ

" والترائب " أي الصدر ، الواحدة : تريبة ، وهي موضع القلادة من الصدر . قال :

مهفهفةٌ بيضاءُ غيرُ مُفَاضَةٍ *** تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كالسَّجَنْجَلِ{[15930]}

والصلب من الرجل ، والترائب من المرأة . قال ابن عباس : الترائب : موضع القلادة . وعنه : ما بين ثدييها ، وقاله عكرمة . وروي عنه : يعني ترائب المرأة : اليدين والرجلين والعينين ، وبه قال الضحاك . وقال سعيد بن جبير : هو الجيد . مجاهد : هو ما بين المنكبين والصدر عنه : الصدر . وعنه : التراقي . وعن ابن جبير عن ابن عباس : الترائب : أربع أضلاع من هذا الجانب . وحكى الزجاج : أن الترائب أربع أضلاع من يمنة الصدر ، وأربع أضلاع من يسرة الصدر . وقال معمر بن أبي حبيبة المدني : الترائب عصارة القلب ، ومنها يكون الولد . والمشهور من كلام العرب : أنها عظام الصدر والنحر{[15931]} . وقال دريد بن الصمة :

فإن تُدبروا نأخُذْكُم في ظهوركم *** وإن تُقبِلوا نأخذكم في الترائبِ

وقال آخر :

وبدت كأن ترائبا من نحرها *** جمرُ الغَضَى في ساعد تتوقد

وقال آخر :

والزعفرانُ على ترائبِهَا *** شَرِقٌ بِهِ اللبات والنحر{[15932]}

وعن عكرمة : الترائب : الصدر . ثم أنشد :

نظام دُر على ترائبها

وقال ذو الرمة :

ضَرَجْنَ البُرُودَ عن ترائب حرة{[15933]}

أي شققن . ويروى " ضرحن " بالخاء ، أي ألقين . وفي الصحاح : والتربية : واحدة الترائب ، وهي عظام الصدر ، ما بين الترقوة والثندوة . قال الشاعر :

أشرفَ ثَدياها على التَّرِيبِ{[15934]}

وقال المثقب العبدي :

ومِنْ ذَهَبٍ يُسَنُّ{[15935]} على تَرِيبٍ *** كلون العاج ليس بذي{[15936]} غُضُونِ

[ عن غير الجوهري : الثندوة للرجل : بمنزلة الثدي للمرأة . وقال الأصمعي : مغرز الثدي . وقال ابن السكيت : هي اللحم الذي حول الثدي ، إذا ضممت أولها همزت ، وإذا فتحت لم تهمز{[15937]} ] . وفي التفسير : يخلق من ماء الرجل الذي يخرج من صلبه العظم والعصب . ومن ماء المرأة الذي يخرج من ترائبها اللحم والدم ، وقاله الأعمش . وقد تقدم مرفوعا في أول سورة " آل عمران " {[15938]} . والحمد لله - وفي ( الحجرات ) " إنا خلقناكم من ذكر وأنثى " [ الحجرات :31 ] وقد تقدم{[15939]} . وقيل : إن ماء الرجل ينزل من الدماغ ، ثم يجتمع في الأنثيين . وهذا لا يعارض قوله : " من بين الصلب " ؛ لأنه إن نزل من الدماغ ، فإنما يمر بين الصلب والترائب . وقال قتادة : المعنى ويخرج من صلب الرجل وترائب المرأة . وحكى الفراء أن مثل هذا يأتي عن العرب ، وعليه فيكون معنى من بين الصلب : من الصلب . وقال الحسن : المعنى : يخرج من صلب الرجل وترائب الرجل ، ومن صلب المرأة وترائب المرأة . ثم إنا نعلم أن النطفة من جميع أجزاء البدن ؛ ولذلك يشبه الرجل والديه كثيرا{[15940]} . وهذه الحكمة في غسل جميع الجسد من خروج المني . وأيضا المكثر من الجماع يجد وجعا في ظهره وصلبه ، وليس ذلك إلا لخلو صلبه عما كان محتبسا من الماء . وروى إسماعيل عن أهل مكة " يخرج من بين الصلُب " بضم اللام . ورويت عن عيسى الثقفي . حكاه المهدوي وقال : من جعل المني يخرج من بين صلب الرجل وترائبه ، فالضمير في " يخرج " للماء . ومن جعله من بين صلب الرجل وترائب المرأة ، فالضمير للإنسان . وقرئ " الصلب " ، بفتح الصاد واللام . وفيه أربع لغات{[15941]} : صلب وصلب وصلب وصالب . قال العجاج :

في صَلَبٍ مثلِ العِنَانِ المؤدَمِ

وفي مدح النبي صلى اللّه عليه وسلم :

تنقل من صالبٍ إلى رحم{[15942]}

الأبيات مشهورة معروفة .


[15928]:بل هي ثلاث فقط، أما صلب بضمتين، فضمة العين إتباع للفاء، وليست لغة ثانية (انظر تاج العروس: صلب).
[15929]:هو ابن عبد المطلب، يمدح النبي صلى الله عليه وسلم، وتمام البيت: * إذا مضى عالم بدا طبق *
[15930]:البيت من معلقة امرئ القيس. والمهفهفة: الخفيفة اللحم، التي ليست برهلة ولا ضخمة البطن. والمفاضة: المسترخية البطن. والسجنجل: المرآة. وقيل: سبيكة الفضة، أو الزعفران، أو ماء الذهب.
[15931]:في بعض نسخ الأصل: "أنها عظام النهد والصدر".
[15932]:البيت للمخبل. وشرق الجسد بالطيب امتلأ فضاق. واللبات (جمع لبة): موضع القلادة.
[15933]:تمام البيت: * وعن أعين قتلتنا كل مقتل *
[15934]:وتفلك ثدي الجارية: استدار. والنتوب: النهود، وهو ارتفاعه.
[15935]:كذا في بعض النسخ والطبري. وفي بعضها: "يسر" بالراء. وفي روح المعاني: "يبين". وفي اللسان وشعراء النصرانية "بلوح".
[15936]:في اللسان مادة (ترب): "... ليس له غضون". والبيت من قصيدة مكسورة القافية، مطلعها: أفاطم قبل بينك متعيني *** و منعك ما سألت كأن تبيني
[15937]:ما بين المربعين ساقط من بعض نسخ الأصل.
[15938]:راجع جـ 4 ص 7.
[15939]:راجع جـ 16 ص 343.
[15940]:وقال الأستاذ الإمام في تفسير جزء (عم): كنى بالصلب عن الرجل، وبالترائب عن المرأة.
[15941]:انظر ما سبق في ص 5.
[15942]:تمام البيت * إذا بدا عالم بدا طبق * وهو من قول للعباس بن عبد المطلب في مدح النبي صلى الله عليه وسلم.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَخۡرُجُ مِنۢ بَيۡنِ ٱلصُّلۡبِ وَٱلتَّرَآئِبِ} (7)

ولما كان{[72679]} المراد به ماء الرجل وماء المرأة قال : { يخرج } وبعض بإثبات الجار فأفهم الخروج عن مقره بقوله{[72680]} : { من بين الصلب } أي صلب الرجل وهو عظم مجتمع من عظام مفلكة أحكم ربطها غاية الإحكام من لدن الكاهل إلى عجب الذنب { والترائب * } أي ترائب المرأة وهي{[72681]} عظام الصدر حيث تكون{[72682]} القلادة ، وصوبه ابن جرير{[72683]} ، أو ما ولي الترقوتين منه ، أو ما بين الثديين والترقوتين أو{[72684]} أربعة أضلاع من يمنة الصدر ، وأربعة من يسرته{[72685]} ، أو اليدان والرجلان والعينان ، وعلى كل تقدير شهوتها من أمامها وشهوة الرجل فيما غاب عنه من ورائه ، ولو نزع الخافض لأفهم أن الماء يملأ البين المذكور ولم يفهم أنه يخرج عن صاحبي البين ، قال البيضاوي{[72686]} : ولو صح أن النطفة تتولد من فضل الهضم الرابع-{[72687]} وتنفصل عن جميع الأعضاء حتى تستعد لأن يتولد منها مثل تلك الأعضاء ، ومقرها{[72688]} عروق ملتف بعضها بالبعض{[72689]} عند الأنثيين ، فلا شك أن الدماغ أعظم الأعضاء معونة في توليدها ، ولذلك تشبهه ويسرع {[72690]}الإفراط في الجماع{[72691]} بالضعف فيه وله خليفة وهو النخاع وهو في الصلب ، وشعب كثيرة نازلة إلى الترائب وهما أقرب إلى أوعية المني فلذلك{[72692]} خصا بالذكر . وقال الملوي : فالذي أخرجه من ظروف{[72693]} عظام الصلب والترائب إلى أن صيره في محله من الأنثيين إلى أن-{[72694]} دفق واعتنى بعد ذلك بنقله من خلق إلى خلق بعد كل أربعين يوماً إلى أن صيره إنساناً يعقل ويتكلم ويبني القصور ، ويهدم{[72695]} الصخور ، قادر على بعثه .


[72679]:زيد في الأصل: الماء، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72680]:في ظ و م: في قوله.
[72681]:من ظ و م، وفي الأصل: هو.
[72682]:زيد في الأصل: محل وضع، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.
[72683]:راجع 30/80.
[72684]:سقط من ظ و م.
[72685]:من ظ و م، وفي الأصل: يسراه.
[72686]:راجع الأنوار ص: 794.
[72687]:زيد من ظ.
[72688]:من م، وفي الأصل و ظ: مقصرها.
[72689]:من م، وفي الأصل و ظ: ببعض.
[72690]:من م، وفي الأصل و ظ: إفراط بالجماع.
[72691]:من م، وفي الأصل و ظ: إفراط بالجماع.
[72692]:من م، وفي الأصل و ظ: ولذلك.
[72693]:في ظ: حلزون.
[72694]:زيد من ظ و م.
[72695]:زيد في الأصل: القصور وينحت، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.