الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

وقال الفراء{ يغفر لكم } جواب الاستفهام ، وهذا إنما يصح على الحمل على المعنى ، وذلك أن يكون { تؤمنون بالله ، وتجاهدون } عطف بيان على قوله : { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } كأن التجارة لم يدر ما هي ، فبينت بالإيمان والجهاد ، فهي هما في المعنى . فكأنه قال : هل تؤمنون بالله وتجاهدون يغفر لكم . الزمخشري : وجه قول الفراء أن متعلق الدلالة هو التجارة والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد . كأنه قيل : هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم . قال المهدوي : فإن لم تقدر هذا التقدير لم تصح المسألة ؛ لأن التقدير يصير إن دللتم يغفر لكم ، والغفران إنما نعت بالقبول والإيمان لا بالدلالة . قال الزجاج : ليس إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم ، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا . وقرأ زيد بن علي " تؤمنوا " ، و " تجاهدوا " على إضمار لام الأمر ؛ كقوله :

محمد تَفْدِ نفسَك كلُّ نفس *** إذا ما خفت من شيء تَبَالاَ{[14948]}

أراد لتفد . وأدغم بعضهم فقال : " يغفر لكم " والأحسن ترك الإدغام ؛ لأن الراء حرف متكرر قوي فلا يحسن إدغامه في اللام ؛ لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف .

الرابعة- قوله تعالى : " ومساكن طيبة " خرج أبو الحسين الآجري عن الحسن قال : سألت عمران بن الحصين وأبا هريرة عن تفسير هذه الآية { ومساكن طيبة } فقالا : على الخبير سقطت ، سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : ( قصر من لؤلؤة في الجنة فيه سبعون دارا من ياقوتة حمراء في كل دار سبعون بيتا من زبرجدة خضراء في كل بيت سبعون سريرا على كل سرير سبعون فراشا من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لونا من الطعام في كل بيت سبعون وصيفا ووصيفة فيعطي الله تبارك وتعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله ) ، { في جنات عدن } أي إقامة . { ذلك الفوز العظيم } أي السعادة الدائمة الكبيرة . وأصل الفوز الظفر بالمطلوب .


[14948]:اختلف في قائله، فقيل إنه لحسان، وقيل لأبي طالب عم الرسول صلوات الله عليه، وقيل للأعشى. (راجع خزانة الأدب في الشاهد الثمانين بعد الستمائة). والتبال: سوء العاقبة، وهو بمعنى الوبال. وقد ورد صدر هذا البيت في ح، وز، وس، ط مضطربا وغير واضح.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

{ يغفر لكم } جزم في جواب تؤمنون لأنه بمعنى الأمر وقد قرأه ابن مسعود آمنوا وجاهدوا على الأمر لأنه يقتضي التحضيض .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

ولما كان معنى{[65118]} " تؤمنون " : فالأمر كما تقدم ، لكنه حول عن ذلك لما ذكر ، وكان أهم ما إلى الإنسان خوفه {[65119]}مما هدد عليه ، أمن{[65120]} سبحانه من ذلك دالاً{[65121]} على أصل الفعل بجزم ما هو في موضع الجواب فقال : { يغفر لكم } أي خاصة دون من لم يفعل ذلك { ذنوبكم } أي بمحو أعيانها وآثارها كلها .

ولما قرع القلوب من كدر العقاب{[65122]} والعتاب ، لذذها{[65123]} بطيب الثواب فقال : { ويدخلكم } أي بعد التزكية بالمغفرة رحمة لكم { جنات تجري } ودل على قرب الجاري وتخلله{[65124]} الأراضي بالجار فقال : { من تحتها } أي{[65125]} تحت أشجارها وغرفها وكل متنزه فيها { الأنهار } فهي لا تزال غضة زهراء ، ولم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لإغناء ما بعده عنه ، دل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله بصيغة منتهى الجموع : { ومساكن } ولما كانت المساكن لا تروق إلا بما يقارنها{[65126]} من المعاني الحسنة قال : { طيبة } أي في الاتساع واختلاف أنواع{[65127]} الملاذ وعلو الأبنية والأسرة{[65128]} مع سهولة{[65129]} الوصول إليها وفي بهجة المناظر وتيسر مجاري الريح بانفساح الأبنية مع طيب الغرف ، لم يفسد الماء الجاري تحتها شيئاً من ريحها ولا في اعتدالها في شيء مما يراد منها . ولما كانت لا يرغب فيها إلا بدوام الإقامة ، بين صلاحيتها لذلك بقوله : { في جنات عدن } أي بساتين هي أهل للإقامة بها لا يحتاج في إصلاحها إلى شيء خارج يحتاج في تحصيله إلى الخروج عنها له{[65130]} ، ولا آخر لتلك{[65131]} الإقامة ، قال حمزة الكرماني في كتابه جوامع التفسير : هي قصبة الجنان ومدينة{[65132]} الجنة أقربها إلى العرش .

ولما كان هذا أمراً شريفاً لا يوجد في غيرها قال : { ذلك } أي الأمر العظيم جداً وحده { الفوز العظيم{[65133]} * } .


[65118]:- من م، وفي الأصل وظ: المعنى.
[65119]:- من ظ وم، وفي الأصل: من الله وعليه امن.
[65120]:- من ظ وم، وفي الأصل: من الله وعليه امن.
[65121]:- من ظ وم، وفي الأصل: دلائل.
[65122]:- من م، وفي الأصل وظ: العذاب.
[65123]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي هو.
[65124]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليه-كذا.
[65125]:- زيد في الأصل: تحتها، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65126]:- من ظ وم، وفي الأصل: يعاينها.
[65127]:- من م، وفي الأصل وظ: علوا.
[65128]:- من م، وفي الأصل وظ: إلا كرة.
[65129]:-من م، وفي الأصل وظ: سرعة.
[65130]:- زيد من ظ وم.
[65131]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[65132]:- من ظ وم، وفي الأصل: معرفته.
[65133]:- وقع في الأصل بعد "في الدنيا فقال" والترتيب من ظ وم.