الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

و { تُؤْمِنُونَ } استئناف ، كأنهم قالوا : كيف : نعمل ؟ فقال : تؤمنون ، وهو خبر في معنى الأمر ؛ ولهذا أجيب بقوله : { يغفر لكم } وتدل عليه قراءة ابن مسعود : آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا .

فإن قلت : لم جيء به على لفظ الخبر ؟ قلت : للإيذان بوجوب الامتثال ، وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين . ونظيره قول الداعي : غفر الله لك ، ويغفر الله لك : جعلت المغفرة لقوّة الرجاء ، كأنها كانت ووجدت ، فإن قلت : هل لقول الفراء أنه جواب { هَلْ أَدُلُّكُمْ } وجه ؟ قلت : وجهه أن متعلق الدلالة هو التجارة ، والتجارة مفسرة بالإيمان والجهاد ؛ فكأنه قيل : هل تتجرون بالإيمان والجهاد يغفر لكم ؟ ، فإن قلت : فما وجه قراءة زيد بن علي رضي الله عنهما : ( تؤمنوا . . . وتجاهدوا ) ؟ قلت : وجهها أن تكون على إضمار لام الأمر ، كقوله :

مُحَمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ *** إذَا مَا خفت مِنْ أَمْرٍ تَبَالاَ

وعن ابن عباس أنهم قالوا : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله لعملناه ، فنزلت هذه الآية ، فمكثوا ما شاء الله يقولون : ليتنا نعلم ما هي ، فدلهم الله عليها بقوله : { تُؤْمِنُونَ } وهذا دليل على أن { تُؤْمِنُونَ } كلام مستأنف ، وعلى أنّ الأمر الوارد على النفوس بعد تشوّف وتطلع منها إليه : أوقع فيها وأقرب من قبولها له مما فوجئت به { ذَلِكُمْ } يعني ما ذكر من الإيمان والجهاد { خَيْرٌ لَّكُمْ } من أموالكم وأنفسكم . فإن قلت : ما معنى قوله : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } ؟ قلت : معناه إن كنتم تعلمون أنه خير لكم كان خيراً لكم حينئذٍ ؛ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أنفسكم وأموالكم ، فتخلصون وتفلحون .