السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

وقوله تعالى : { يغفر لكم } فيه أوجه :

أحدها : أنه مجزوم على جواب الخبر بمعنى الأمر ، أي : آمنوا وجاهدوا .

والثاني : أنه مجزوم في جواب الاستفهام ، كما قاله الفراء .

والثالث : أنه مجزوم بشرط مقدر ، أي : إن تؤمنوا يغفر لكم . قال القرطبي : وأدغم بعضهم فقرأ يغفر لكم ، والأحسن ترك الإدغام فإن الراء متكرر قوي فلا يحسن الإدغام في اللام ، لأن الأقوى لا يدغم في الأضعف ا . ه . وتقدم في آخر سورة البقرة مثل ذلك للزمخشري والبيضاوي ورد عليهما { ذنوبكم } أي : يمحو أعيانها وآثارها كلها ، { ويدخلكم } أي : بعد التزكية بالمغفرة رحمة لكم { جنات } أي : بساتين { تجري من تحتها } أي : من تحت أشجارها وغرفها وكل منتزه فيها { الأنهار } فهي لا تزال غضة زهراء لم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لإغناء ما بعده عنه ، ودل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله في صيغة منتهى الجموع ، { ومساكن طيبة } روى الحسن قال : «سألت عمران بن حصين ، وأبا هريرة عن قوله تعالى : { ومساكن طيبة } فقالا : على الخبير سقطت سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال : «قصر من لؤلؤة في الجنة في ذلك القصر سبعون داراً من ياقوتة حمراء ، في كل دار سبعون بيتاً من زبرجدة خضراء ، في كل بيت سبعون سريراً ، في كل سرير سبعون فراشاً من كل لون على كل فراش سبعون امرأة من الحور العين ، في كل بيت سبعون مائدة على كل مائدة سبعون لوناً من الطعام ، في كل بيت سبعون وصيفاً ووصيفة فيعطي الله تعالى المؤمن من القوة في غداة واحدة ما يأتي على ذلك كله » ، { في جنات عدن } أي : بساتين هي أهل للإقامة بها لا يحتاج في إصلاحها إلى شيء خارج يحتاج في تحصيله إلى الخروج عنها له ، قال حمزة الكرماني في كتابه «جوامع التفسير » : هي أي جنات عدن قصبة الجنان ومدينة الجنة أقربها إلى العرش { ذلك } أي : الأمر العظيم جداً ، { الفوز العظيم } أي : السعادة الدائمة الكبيرة ، وأصل الفوز الظفر بالمطلوب .