فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

{ يغفر لكم ذنوبكم } هذا بمنزلة المبيع الذي يأخذه المشتري من البائع في مقابلة الثمن المدفوع له ، وهذا جواب الأمر المدلول بلفظ الخبر ، ولهذا جزم . وقال الزجاج والمبرد : { تؤمنون } في معنى آمنوا ، ولذلك جاء { يغفر لكم } مجزوما ، وقال الفراء ؛ هذا جواب الاستفهام فجعله مجزوما لكونه جوابه ، وقد غلطه بعض أهل العلم ، قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم ، إنما يغفر لهم ، إذا آمنوا وجاهدوا ، وقال الرازي في توجيه قول الفراء : إن { هل أدلكم } في معنى الأمر عنده ، يقال : هل أنت ساكت ؟ أي : أسكت ؟ وبيانه أن هل بمعنى الاستفهام ، ثم يتدرج إلى أن يصير عرضا وحثا ، والحث كالإغراء أمر ، وقيل : { يغفر لكم } مجزوم بشرط مقدر أي إن تؤمنوا يغفر لكم ، وقرئ بالإدغام في يغفر لكم ، والأولى تركه لأن الراء حرف متكرر فلا يحسن إدغامه في اللام .

{ ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار } قد تقدم بيان كيفية جري الأنهار من تحت الجنات مرارا ، والمعنى : من تحت أشجارها وغرفها ، { ومساكن طيبة } أي قصورا من لؤلؤة في ذلك القصر سبعون درا من ياقوته حمراء ، في كل دار سبعون بيتا من زبرجدة خضراء ، في كل بيت سبعون سريرا في كل سرير سبعون فراشا ، من كل لون ، على كل فراش سبعون إمرأة من الحور العين ، في كل بيت سبعون مائدة ، على كل مائدة سبعون لونا من الطعام ، في كل بيت سبعون وصيفا أو وصيفة ، فيعطي الله المؤمن من القوة في غداة واحدة يأتي على ذلك كله " رواه الحسن عن عمران بن حصين وأبي هريرة مرفوعا ذكره الخطيب ولينظر في سنده وصحته .

{ في جنات عدن } أي في جنات إقامة وخلود { ذلك } المذكور من المغفرة وإدخال الجنات الموصوفة بما ذكر هو { الفوز العظيم } الذي لا فوز بعده والظفر الذي لا ظفر يماثله .