نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡ وَيُدۡخِلۡكُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ وَمَسَٰكِنَ طَيِّبَةٗ فِي جَنَّـٰتِ عَدۡنٖۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ} (12)

ولما كان معنى{[65118]} " تؤمنون " : فالأمر كما تقدم ، لكنه حول عن ذلك لما ذكر ، وكان أهم ما إلى الإنسان خوفه {[65119]}مما هدد عليه ، أمن{[65120]} سبحانه من ذلك دالاً{[65121]} على أصل الفعل بجزم ما هو في موضع الجواب فقال : { يغفر لكم } أي خاصة دون من لم يفعل ذلك { ذنوبكم } أي بمحو أعيانها وآثارها كلها .

ولما قرع القلوب من كدر العقاب{[65122]} والعتاب ، لذذها{[65123]} بطيب الثواب فقال : { ويدخلكم } أي بعد التزكية بالمغفرة رحمة لكم { جنات تجري } ودل على قرب الجاري وتخلله{[65124]} الأراضي بالجار فقال : { من تحتها } أي{[65125]} تحت أشجارها وغرفها وكل متنزه فيها { الأنهار } فهي لا تزال غضة زهراء ، ولم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لإغناء ما بعده عنه ، دل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله بصيغة منتهى الجموع : { ومساكن } ولما كانت المساكن لا تروق إلا بما يقارنها{[65126]} من المعاني الحسنة قال : { طيبة } أي في الاتساع واختلاف أنواع{[65127]} الملاذ وعلو الأبنية والأسرة{[65128]} مع سهولة{[65129]} الوصول إليها وفي بهجة المناظر وتيسر مجاري الريح بانفساح الأبنية مع طيب الغرف ، لم يفسد الماء الجاري تحتها شيئاً من ريحها ولا في اعتدالها في شيء مما يراد منها . ولما كانت لا يرغب فيها إلا بدوام الإقامة ، بين صلاحيتها لذلك بقوله : { في جنات عدن } أي بساتين هي أهل للإقامة بها لا يحتاج في إصلاحها إلى شيء خارج يحتاج في تحصيله إلى الخروج عنها له{[65130]} ، ولا آخر لتلك{[65131]} الإقامة ، قال حمزة الكرماني في كتابه جوامع التفسير : هي قصبة الجنان ومدينة{[65132]} الجنة أقربها إلى العرش .

ولما كان هذا أمراً شريفاً لا يوجد في غيرها قال : { ذلك } أي الأمر العظيم جداً وحده { الفوز العظيم{[65133]} * } .


[65118]:- من م، وفي الأصل وظ: المعنى.
[65119]:- من ظ وم، وفي الأصل: من الله وعليه امن.
[65120]:- من ظ وم، وفي الأصل: من الله وعليه امن.
[65121]:- من ظ وم، وفي الأصل: دلائل.
[65122]:- من م، وفي الأصل وظ: العذاب.
[65123]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذي هو.
[65124]:- من ظ وم، وفي الأصل: عليه-كذا.
[65125]:- زيد في الأصل: تحتها، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[65126]:- من ظ وم، وفي الأصل: يعاينها.
[65127]:- من م، وفي الأصل وظ: علوا.
[65128]:- من م، وفي الأصل وظ: إلا كرة.
[65129]:-من م، وفي الأصل وظ: سرعة.
[65130]:- زيد من ظ وم.
[65131]:- من ظ وم، وفي الأصل: بذلك.
[65132]:- من ظ وم، وفي الأصل: معرفته.
[65133]:- وقع في الأصل بعد "في الدنيا فقال" والترتيب من ظ وم.