الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{ثُمَّ جَعَلۡنَٰهُ نُطۡفَةٗ فِي قَرَارٖ مَّكِينٖ} (13)

ويجيء الضمير في قوله : " ثم جعلناه " عائدا على ابن آدم ، وإن كان لم يذكر لشهرة الأمر ، فإن المعنى لا يصلح إلا له . نظير ذلك " حتى توارت بالحجاب " {[11624]}[ ص : 32 ] . وقيل : المراد بالسلالة ابن آدم ، قاله ابن عباس وغيره . والسلالة على هذا صفوة الماء ، يعني المني . والسلالة فعالة من السل وهو استخراج الشيء من الشيء ؛ يقال : سللت الشعر من العجين ، والسيف من الغمد فانسل ، ومنه قوله :

فسُلِّي ثيابي من ثيابِك تَنْسُلِ{[11625]}

فالنطفة سلالة ، والولد سليل وسلالة ، عُني به الماء يسل من الظهر سلا . قال الشاعر :

فجاءت به عَضْبَ الأديم غَضَنْفَرًا *** سلالةَ فرجٍ كان غيرَ حصين{[11626]}

وقال آخر :

وما هندُ إلا مُهْرَةٌ عربيةٌ *** سليلةُ أفراس تجلَّلَها بغلُ{[11627]}

وقوله " من طين " أي أن الأصل آدم وهو من طين .

قلت : أي من طين خالص ، فأما ولده فهو من طين ومني ، حسبما بيناه في أول سورة الأنعام{[11628]} . وقال الكلبي : السلالة الطين إذا عصرته انسل من بين أصابعك ، فالذي يخرج هو السلالة .


[11624]:راجع ج 15 ص 195 فما بعد.
[11625]:هذا عجز بيت من معلقة امرئ القيس. وصدره: *وإن تك قد ساءتك مني خليقة*
[11626]:البيت لحسان بن ثابت.
[11627]:نسب صاحب لسان العرب هذا البيت لهند بنت النعمان(مادة سلل). وتجللها: علاها.وقوله: "بغل" قال ابن بري: وذكر بعضهم أنها تصحيف، وأن صوابه "نعل"بالنون وهو الخسيس من الناس والدواب، وفي ب وج وك: تحللها. بالمهملة وهو المشهور.
[11628]:راجع ج 6 ص 387.