لطائف الإشارات للقشيري - القشيري [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

قوله جل ذكره : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } .

{ وَصَوًّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } : خَلقَ العرشَ والكرسيّ والسماوات والأرضين وجميعَ المخلوقاتِ ولم يقُلْ هذا الخطاب ، وإنما قال لنا : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } وليس الحَسَنُ ما يستحسنه الناسُ بل الحَسنُ ما يستحسنه الحبيبُ :

ما حطك الواشون عن رتبةٍ *** عندي ولا ضَرَّك مُعتابُ

كأنهم أَثْنَوْا -ولم يعلموا- *** عليكَ عندي بالذي عابوا

لم يَقُلْ للشموس في علائها ، ولا للأقمار في ضيائها : { وَصَوَّرَكُمْ فََأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } .

ولما انتهى إلينا قال ذلك ، وقال : { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [ التين : 4 ] .

ويقال إن الواشين قَبَّحوا صورتكم عندنا ، بل الملائكةُ كتبوا في صحائفكم قبيحَ ما ارتكبتم . . ومولاكم أحسن صوركم ، بأن محا من ديوانكم الزّلاّت ، وأثبت بدلاً منها الحسنات ، قال تعالى : { يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } [ الرعد : 39 ] ، وقال : { فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } [ الفرقان : 70 ] .

قوله جل ذكره : { وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } .

ليس الطيبُ ما تستطيبه النفْسُ إنما الطيب ما يستطيبُه القلبُ ، فالخبزُ القفار أطيب للفقير الشاكر من الحلواء للغنيِّ المتَسَخِّط .

ورِزْقُ النفوسِ الطعامُ والشرابُ ، ورزقُ القلوبِ لذاذات الطاعات .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَٱلسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلۡعَٰلَمِينَ} (64)

قوله : { اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا } يعني من فضل الله عليكم أن جعل لكم الأرض مستقرّا ممهدا تعيشون على ظهرها وتسعون في مناكبها لتجدوا فيها معايشكم وأرزاقكم { وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } أي رفع السماء فوقكم وزيَّنها بالكواكب ومختلف الأجرام وجعلها في تماسكها العجيب ، ومتانتها المكينة ، واتساقها المنتظم أية عظيمة تستدلون بها على عظمة الصانع القدير وعلى أنه موجِدُ الوجود .

قوله : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } أي خلقكم في أحسن خلقة وجعلكم في أحسن هيئة من جمال الشكل والمنظر ، وبديع السمت والتناسق في الأجزاء والأعضاء والقسمات والمركبات { وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ } رزقكم من مختلف المطاعم والمشارب ما تتنعمون وتتلذذون .

قوله : { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ } الذي لا تنبغي الإلهية والعبادة والإذعان إلا لجلاله ؛ فهو الخالق المالك المقتدر المنّان .

قوله : { فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } تعظم الله وتقدس في عليائه فهو خالق كل شيء وهو مالك ما في العالمين من إنس وجن وغيرهم من أجناس الخَلْق .