في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

وهي تتوسط صفوف الأعداء على غرة فتوقع بينهم الفوضى والاضطراب !

إنها خطوات المعركة على ما يألفه المخاطبون بالقرآن أول مرة . . . والقسم بالخيل في هذا الإطار فيه إيحاء قوي بحب هذه الحركة والنشاط لها ، بعد الشعور بقيمتها في ميزان الله والتفاته سبحانه إليها ?

وذلك فوق تناسق المشهد مع المشاهد المقسم عليها والمعقب بها كما أسلفنا . أما الذي يقسم الله - سبحانه - عليه ، فهو حقيقة في نفس الإنسان ، حين يخوى قلبه من دوافع الإيمان . حقيقة ينبهه القرآن إليها ، ليجند إرادته لكفاحها مذ كان الله يعلم عمق وشائجها في نفسه ، وثقل وقعها في كيانه :

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

{ فَوَسَطْنَ } { بِهِ } أي فتوسطن في ذلك الوقت { جَمْعاً } من جموع الأعداء وجوز فيه وفي بائه نحو ما تقدم في { به } قبله وجوز أيضاً كون الضمير للنقع والباء للملابسة أي فتوسطن ملتبسات بالنقع جمعاً أو هي على ما قيل للتعدية إن أريد أنها وسطت الغبار والفاآت كما في «الإرشاد » للدلالة على ترتيب ما بعد كل منها على ما قبله فتوسط الجمع مترتب على الإثارة المترتبة على الإيراء المترتب على العدو وقرأ أبو حيوة وابن أبي ليلى الأول : كالجمهور والثاني : كذين والمعنى على تشديد الأول فأظهرن به غباراً لأن التأثير فيه معنى الإظهار وعلى تشديد الثاني على نحو ما تقدم فقد نقلوا أن وسط مخففاً ومثقلاً بمعنى واحد وأنهما لغتان وقال ابن جني : المعنى ميزن به جمعاً أي جعلنه شطرين أي قسمين وشقين وقال الزمخشري التشديد فيه للتعدية والباء مزيدة للتأكيد كما في قوله تعالى { وأوتوا به } [ البقرة : 25 ] في قراءة وهي مبالغة في وسطن وجوز أن يكون قلب ثورن إلى وثرن ثم قلبت الواو همزة فالمعنى على ما مر وهو تمحل مستغنى عنه . وعن السدي ومحمد بن كعب وعبيد بن عمير أنهم قالوا العاديات هي الإبل تعدو ضبحاً من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى ونسب إلى علي كرم الله تعالى وجهه فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس قال بينما أنا في الحجر جالس إذ أتاني رجل فسألني عن العاديات ضبحاً فقلت الخيل حين تغير في سبيل الله تعالى ثم تأوي إلى الليل فيصنعون طعامهم ويورون نارهم فانفلت عني فذهب إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وهو جالس تحت سقاية زمزم فسأله عن العاديات ضبحاً فقال سألت عنها أحداً قبلي قال نعم سألت عنها ابن عباس فقال هي الخيل حين تغير في سبيل الله تعالى فقال اذهب فادعه لي فلما وقفت على رأسه قال تفتي الناس بما لا علم لك به والله إن كانت لأول غزوة في الإسلام لبدر وما كان معنا إلا فرسان فرس للزبير وفرس للمقداد بن الأسود فكيف تكون العاديات ضبحا إنما العاديات ضبحا الإبل تعد من عرفة إلى المزدلفة فإذا أووا إلى المزدلفة أوروا النيران والمغيرات صبحاً من المزدلفة إلى منى فذلك جمع وأما قوله تعالى : { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } فهو نقع الأرض حين تطؤها بخفافها قال ابن عباس فنزعت عن قولي إلى قول علي كرم الله تعالى وجهه ورضي الله تعالى عنه واستشكل رده كرم الله تعالى وجهه كون المراد بها الخيل بما كان من أمر غزوة بدر بأن ابن عباس لم يدع أن أل في العاديات للعهد وأنها إشارة إلى عاديات بدر ولا أن السورة نزلت في شأن تلك الغزوة ليلزم تحقق ذلك فيها ودخولها تحت العموم بل ظاهر كلامه حمل ذلك على جنس الخيل التي تعدو في سبيل الله عز وجل وإن حملت على العهد وقيل أن المعهود هو الخيل التي بعثها عليه الصلاة والسلام للغزو على ما سمعت صدر السورة وكذا على ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام بعث إلى أناس من بني كنانة سرية واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري وكان أحد النقباء فأبطأ عليه صلى الله عليه وسلم خبرها شهراً فقال المنافقون أنهم قتلوا فنزلت السورة إخباراً له عليه الصلاة والسلام بسلامتها وبشارة له صلى الله عليه وسلم بإغارتها على القوم لم يعد وأجيب بأنه كرم الله تعالى وجهه أراد أن غزوة بدر هي أفضل غزوات الإسلام وبدرها الذي ليس فيه انثلام فيتعين أن لا تكون المراد ذلك ويسلك في الآية ما يناسبها من المسالك ولا يخفى أن هذا الجواب لا يتحمل لمزيد ضعفه الإغارة عليه وإطلاق أعنة عاديات الأفكار إليه والأحرى أن الخبر لا صحة له وتصحيح الحاكم محكوم عليه عند أهل الأثر بكثرة التساهل فيه وأنه غير معتبر ثم أن النقل عنه رضي الله تعالى عنه في المراد بالعاديات متعارض فما تقدم أنه إبل الحجاج ونقل صاحب التأويلات أنه كرم الله تعالى وجهه فسرها بإبل بدر وأن ابن مسعود هو الذي فسرها بإبل الحجاج ويرجح إرادة الخيل أن إثارة النقع فيها أظهر منها في الإبل ثم إن ذلك الخبر يقتضي أن للقسم به نوعان الخيل والإبل وجماعة الغزاة أو الحجاج الموقدة ناراً لطعامها أو نحوه وفي بعض الآثار عن ابن عباس ما هو أصرح مما تقدم في تفسير الموريات بما يغاير العاديات بالذات ففي «البحر » عنه أنها الجماعة التي توري نارها بالليل لحاجتها وطعامها وفي رواية أخرى عنه تلك جماعة الغزاة تكثر النار إرهاباً ورويت المغايرة عن آخرين أيضاً فعن مجاهد وزيد بن أسلم وهي رواية أخرى عن ابن عباس هي الجماعة تمكر في الحرب فالعرب تقول إذا أرادت المكر بالرجل والله لأورين له ومن الغريب ما روي عن عكرمة أنها ألسنة الرجال توري النار من عظيم ما يتكلم به ويظهر من الحجج والدلائل وإظهار الحق وإبطال الباطل وهو كما ترى . وهو من البطون والإشارات أن يكون المقسم به النفوس العادية أثر كمالهن الموريات بأفكارهن أنوار المعارف والمغيرات على الهوى والعادات إذا ظهر لهن مثل أنوار القدس فأثرن به شوقاً فوسطن بذلك الشوق جمعاً من جموع العليين ومثله ما قيل إن ذلك قسم بالهمم القالبية التي تعدو في سبيل الله تعالى خارجاً من جوف اشتياقها صوت الدعاء من شدة العدو وغاية الشوق بحيث يسمع الروحانيون ضجيج دعائها وتضرعها والتماسها تسهيل سلوك الطريق الوعر الذي يتعلق بجبال القالب الموريات بحوافر الذكر نار الهداية المستكنة في حجر القالب وقت تخمير اللطيفة والمغيرات بعد سلوكها في جبال القالب الراسية في ظلام الليل القالبي وعبورها عنها إلى أفق عالم النفس وتنفس صبح النفس على الخواطر النفسية وشؤونها فهيجن بذلك الجري غبار الخواطر وأثرنه لئلا يختفي خاطر من الخواطر فوسطن بذلك جمعاً من جنود القوى القلبية وحزب الخواطر الذكرية التي هي حزب الرحمن في وسط عالم النفس ولهم في هذا الباب غير ذلك وأياً ما كان فالمقسم عليه قوله تعالى : إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ( 6 )

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَوَسَطۡنَ بِهِۦ جَمۡعًا} (5)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره : فوسَطْن بركبانهنّ جمع القوم ... عن قتادة { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا }: فوسطن بالقوم جمعَ العدوّ ... وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل... وقال آخرون : بل عُنِي بذلك فَوَسَطْنَ بِهِ مزدلفة .

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ فوسطن به } أي بذلك النقع أو الفعل والوقت والموضع . { جمعاً } أي وهو المقصود بالإغارة ، فدخلت في وسط ذلك الجمع لشجاعتها وقوتها وطواعيتها وشجاعة فرسانها . ...

إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :

فإنَّ توسطَ الجمعِ مترتبٌ عَلى الإثارةِ، المترتبةِ على الإغارةِ، المترتبةِ على الإيراءِ، المترتبِ على العدوِ . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

وهي تتوسط صفوف الأعداء على غرة فتوقع بينهم الفوضى والاضطراب ! إنها خطوات المعركة على ما يألفه المخاطبون بالقرآن أول مرة . . .

والقسم بالخيل في هذا الإطار فيه إيحاء قوي بحب هذه الحركة والنشاط لها ، بعد الشعور بقيمتها في ميزان الله والتفاته سبحانه إليها ...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وإن أريد ب { العاديات } وما عطف عليها خيل الغزاة ، فالقسم بها لأجل التهويل والترويع لإِشعار المشركين بأنَّ غارة تترقبهم وهي غزوة بدر ، مع تسكين نفس النبي صلى الله عليه وسلم من التردد في مصير السرية التي بعث بها مع المُنذر بن عَمْرو إذا صحّ خبرها فيكون القسم بخصوص هذه الخيل إدماجاً للاطمئنان ...

أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن للشنقيطي 1393 هـ :

وقد وجدنا قرائن عديدة في الآية تمنع من إرادة المزدلفة بمعنى جمع ، وهي كالآتي : أولا : وصف الخيل أو الإبل على حد سواء بالعاديات ، حتى حد الضبح ، ووري النار بالحوافر وبالحصا ؛ لأنها أوصاف تدل على الجري السريع . ومعلوم أن الإفاضة من عرفات ثم من المزدلفة لا تحتمل هذا العدو ، وليس هو فيها بمحمود ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينادي " السكينة السكينة " ، فلو وجد لما كان موضع تعظيم وتفخيم . ثانياً : أن المشهور أن إثارة النقع من لوازم الحرب ... ثالثاً : قوله تعالى : { فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً 3 فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً 4 فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } ، جاء مرتباً بالفاء ، وهي تدل على الترتيب والتعقيب . وقد تقدم المغيرات صبحاً ، وبعدها فوسطن به جمعاً . وجمع هي المزدلفة ، وإنما يؤتى إليها ليلاً ، فكيف يغرن صبحاً ، ويتوطن المزدلفة ليلاً ؟ وعلى ما حكاه الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، أنهم يغيرون صبحاً من المزدلفة إلى منى ، تكون تلك الإغارة صبحاً بعد التوسط بجمع ، والسياق يؤخرها عن الإغارة ولم يقدمها عليها . فتبين بذلك أن إرادة المزدلفة غير متأتية في هذا السياق . ويبقى القول الآخر وهو الأصح ، واللَّه تعالى أعلم . ولو رجعنا إلى نظرية ترابط السور لكان فيها ترجيح لهذا المعنى ، وهو أنه في السورة السابقة ذكرت الزلزلة وصدور الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم . وهنا حث على أفضل الأعمال التي تورث الحياة الأبدية والسعادة الدائمة في صورة مماثلة ، وهي عدوهم أشتاتاً في سبيل الله لتحصيل ذاك العمل الذي يحبون رؤيته في ذلك الوقت ، وهو نصرة دين الله ، أو الشهادة في سبيل اللَّه ، والعلم عند الله تعالى . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

نستخلص ممّا سبق أن القَسَم في الآيات بهذه الخيول التي هي أولا تسرع إلى ميدان الجهاد بنَفَس شديد ، ثمّ تزيد سرعتها حتى يتطاير الشرر من تحت حوافرها فيشقّ عتمة الليل . . . وبعدها تقترب من منطقة العدو ، فتباغته ، وعند انبلاج عتمة الليل تشنّ هجوماً شديداً يثير الغبار في كل جانب ، ثمّ تتوغل إلى قلب العدّو وتشتت صفوفه . القسم إذن بهذه الخيول المقتدرة ! . . . بفرسانها الشجعان ! . . . بأنفاس مركب المجاهدين ! . . . بشرارات النيران المتطايرة من تحت حوافرها ! . . . بذلك الهجوم المباغت ! . . . بذرات الغبار المنتشرة في الفضاء ! . . . بدخولها قلب صفوف الأعداء وتحقيق النصر الحاسم عليهم ! هذه التعابير وإن لم ترد كلها صراحة في الآيات فهي مجموعة كلها في الدلالات الضمنية للكلام . من هنا يتّضح أن الجهاد له منزلة عظيمة حتى أن أنفاس خيل المجاهدين استحقت أن يقسم بها . . . وهكذا الشرر المتطاير من حوافر هذه الخيول . . . والغبار الذي تثيره في الجو . . . نعم حتى غبار ساحة الجهاد له قيمة وعظمة . ...