في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗى} (59)

وقبل موسى - عليه السلام - تحدي فرعون له ؛ واختار الموعد يوم عيد من الأعياد الجامعة ، يأخذ فيه الناس في مصر زينتهم ، ويتجمعون في الميادين والأمكنة المكشوفة ؛ ( قال : موعدكم يوم الزينة ) . وطلب أن يجمع الناس ضحى ، ليكون المكان مكشوفا والوقت ضاحيا . فقابل التحدي بمثله وزاد عليه اختيار الوقت في أوضح فترة من النهار وأشدها تجمعا في يوم العيد . لا في الصباح الباكر حيث لا يكون الجميع قد غادروا البيوت . ولا في الظهيرة فقد يعوقهم الحر ، ولا في المساء حيث يمنعهم الظلام من التجمع أو من وضوح الرؤية . . ! !

وانتهى المشهد الأول من مشاهد اللقاء بين الإيمان والطغيان في الميدان . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحٗى} (59)

ثم تعيين الموعد غيرِ المخلَف يقتضي تعيين زمانه لا محالة ، إذ لا يتصوّر الإخلاف إلاّ إذا كان للوعد وقت معيّن ومكان معيّن ، فمن ثم طابقه جواب موسى بقوله { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينةِ وأن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً } .

فيقتضي أن محشر الناس في يوم الزينة كان مكاناً معروفاً . ولعلّه كان بساحة قصر فرعون ، لأنّهم يجتمعون بزينتهم ولهوهم بمرأى منه ومن أهله على عادة الملوك في المواسم .

فقوله { يَوْمُ الزِّينَةِ } تعيين للوقت ، وقوله { وأن يُحْشَرَ النَّاسُ } تعيين للمكان ، وقوله { ضُحىً } تقييد لمطلق الوقت .

والضحى : وقت ابتداء حرارة الشمس بعد طلوعها .

ويوم الزينة كان يوم عيد عظيم عند القبط ، وهو يوم كسر الخليج أوالخِلجان ، وهي المنافذ والترع المجعولة على النيل لإرسال الزائد من مياهه إلى الأرضين البعيدة عن مجراه للسقي ، فتنطلق المياه في جميع النواحي التي يمكن وصولها إليها ويزرعون عليها .

وزيادة المياه في النيل هو توقيت السنة القبطيّة ، وذلك هو أول يوم من شهر ( توت ) القبطي ، وهو ( أيلول ) بحسب التاريخ الإسكندري ، وذلك قبل حلول الشمس في برج الميزان بثمانية عشر يوماً ، أي قبل فصل الخريف بثمانية عشر يوماً ، فهو يوافق اليوم الخامس عشر من شهر تشرين ( سبتمبر ) . وأول أيام شهر ( توت ) هو يوم النيروز عند الفرس ، وذلك مبني على حساب انتهاء زيادة النيل لا على حساب بروج الشمس .

واختار موسى هذا الوقت وهذا المكان لأنه يعلم أن سيكون الفلَجُ له ، فأحبّ أن يكون ذلك في وقت أكثرَ مشاهِداً وأوضح رؤيةً .