في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

99

( إنه كان فريق من عبادي يقولون : ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين . فاتخذتموهم سخريا حتى أنسوكم ذكري ، وكنتم منهم تضحكون ) . .

وكذلك لم يكن جرمكم أنكم كفرتم فحسب ، واقتصرتم على أنفسكم بالكفر وهو جرم عظيم ؛ إنما بلغ بكم السفه والتوقح أن تسخروا ممن آمنوا ، وراحوا يرجون غفران ربهم ورحمته ؛ وأن تضحكوا منهم حتى ليشغلكم هذا الهذر عن ذكر الله ، ويباعد بينكم وبين التدبر والتفكر في دلائل الإيمان المبثوثة في صفحات الوجود . . فانظروا اليوم أين مكانكم ومكان أولئك الذين كنتم تسخرون منهم وتضحكون :

إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ) . .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَٱتَّخَذۡتُمُوهُمۡ سِخۡرِيًّا حَتَّىٰٓ أَنسَوۡكُمۡ ذِكۡرِي وَكُنتُم مِّنۡهُمۡ تَضۡحَكُونَ} (110)

السخري بضم السين في قراءة نافع والكسائي وأبي جعفر وخلف ، وبكسر السين في قراءة الباقين ، وهما وجهان ومعناهما واحد عند المحققين من أيمة اللغة لا فرق بينهما خلافاً لأبي عبيدة والكسائي والفراء الذين جعلوا المكسور مأخوذاً من سخر بمعنى هزأ ، والمضموم مأخوذاً من السخرة بضم السين وهي الاستخدام بلا أجر . فلما قصد منه المبالغة في حصول المصدر أدخلت ياء النسبة كما يقال : الخصوصية لمصدر الخصوص .

وسلط الاتخاذ على المصدر للمبالغة كما يوصف بالمصدر . والمعنى : اتخذتموهم مسخوراً بهم ، فنصب سخرياً } على أنه مفعول ثان ل { اتخذتموهم } .

و { حتى } ابتدائية ومعنى ( حتى ) الابتدائية معنى فاء السببية فهي استعارة تبعية . شبه التسبب القوي بالغاية فاستعملت فيه ( حتى ) . والمعنى : أنكم لهوتم عن التأمل فيما جاء به القرآن من الذكر ، لأنهم سخروا منهم لأجل أنهم مسلمون فقد سخروا من الدين الذي كان اتباعهم إياه سبب السخرية بهم فكيف يرجى من هؤلاء التذكر بذلك الذكر وهو من دواعي السخرية بأهله . وتقدم الكلام على فعل ( سخر ) عند قوله : { فحاق بالذين سخروا منهم } في سورة الأنعام ( 10 ) وقوله : { يسخرون منهم } في سورة براءة ( 79 ) .

فإسناد الإنساء إلى الفريق مجاز عقلي لأنهم سببه ، أو هو مجاز بالحذف بتقدير : حتى أنساكم السخري بهم ذكري . والقرينة على الأول معنوية وعلى الثاني لفظية .