في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (50)

46

( وقالوا : لولا أنزل عليه آيات من ربه . قل : إنما الآيات عند الله ، وإنما أنا نذير مبين ) . .

يعنون بذلك الخوارق المادية التي صاحبت الرسالات من قبل في طفولة البشرية . والتي لا تقوم حجة إلا على الجيل الذي يشاهدها . بينما هذه هي الرسالة الأخيرة التي تقوم حجتها على كل من بلغته دعوتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها . ومن ثم جاءت آياتها الخوارق آيات متلوة من القرآن الكريم المعجز الذي لا تنفد عجائبه ؛ والذي تتفتح كنوزه لجميع الأجيال ؛ والذي هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ، يحسونها خوارق معجزة كلما تدبروها ، وأحسوا مصدرها الذي تستمد منه سلطانها العجيب !

( قل : إنما الآيات عند الله ) . . يظهرها عند الحاجة إليها ، وفق تقديره وتدبيره . وليس لي أن أقترح على الله شيئا . ليس هذا من شأني ولا من أدبي ( وإنما أنا نذير مبين ) . أنذر وأحذر وأكشف وأبين ؛ فأؤدي ما كلفته . ولله الأمر بعد ذلك والتدبير .

إنه تجريد العقيدة من كل وهم وكل شبهة . وإيضاح حدود الرسول وهو بشر مختار . فلا تتلبس بصفات الله الواحد القهار . ولا تغيم حولها الشبهات التي غامت على الرسالات حين برزت فيها الخوارق المادية ، حتى اختلطت في حس الناس والتبست بالأوهام والخرافات . ونشأت عنها الانحرافات .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (50)

لما ذكر الجاحدين لآية القرآن ثلاث مرات ووصفهم بالكافرين والمبطلين والظالمين انتقل الكلام إلى مقالتهم الناشئة عن جحودهم ، وذلك طلبهم أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بآيات مرئية خارقة للعادة تدل على أن الله خلقها تصديقاً للرسول كما خلق ناقة صالح وعصا موسى ، وهذا من جلافتهم أن لا يتأثروا إلا للأمور المشاهدة وهم يحسبون أن الرسول عليه الصلاة والسلام ينتصب للمعاندة معهم فهم يقترحون عليه ما يرغبونه ليجعلوا ما يسألونه من الخوارق حديث النوادي حتى يكون محضر الرسول عليه الصلاة والسلام فيهم كمحضر المشعوذين وأصحاب الخنقطرات . وقد قدمتُ بيان هذا الوهم عند قوله تعالى : { وقالوا لولا نزل عليه آيات من ربّه } في سورة [ الأنعام : 37 ] .

ومعنى { عند الله } أنها من عمل القدرة الذي يجري على وفق إرادته تعالى فلكونها منوطة بإرادته شبهت بالشيء المحفوظ عند مالكه .

وأفادت { إنما } قصر النبي عليه الصلاة والسلام على صفة النذارة ، أي الرسالة لا يتجاوزها إلى خلق الآيات أو اقتراحها على ربّه ، فهو قصر إفراد ردّاً على زعمهم أن من حق الموصوف بالرسالة أن يأتي بالخوارق المشاهدة .

والمعنى : أنه لا يُسَلَّم أن التبليغ يحتاج إلى الإتيان بالخوارق على حسب رغبة الناس واقتراحهم حتى يكونوا معذورين في عدم تصديق الرسول إذا لم يأتهم بآية حسب اقتراحهم . وخُصّ بالذكر من أحوال الرسالة وصف النذير تعريضاً بالمشركين بأن حالهم يقتضي الإنذار وهو توقع الشر .

والمبين : الموضح للإنذار بالدلائل العقلية الدالة على صدق ما يخبر به .

وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم وأبو جعفر ويعقوب : { ءايات } . وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف : { ءاية } . والجمع والإفراد في هذا سواء لأن القصد إلى الجنس ، فالآية الواحدة كافية في التصديق .