نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّمَا ٱلۡأٓيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ} (50)

ولما كان التقدير : فجحدوها بما لهم من الرسوخ في الظلم أصلاً ورأساً ، ولم يعدوها آيات فضلاً عن كونها بينات ، عطف عليه قوله : { وقالوا } موهمين مكراً وإظهارا للنصفة بالاكتفاء بأدنى ما يدل على الصدق :

{ لولا } أي هلا { أنزل عليه } أي على أي وجه كان من وجوه الإنزال { آية } أي واحدة تكون بحيث تدل قطعاً على صدق الآتي بها { من ربه } أي الذي يدعي إحسانه إليه كما أنزل على الأنبياء قبله من نحو ناقة صالح وعصا موسى ونحوهما ، لنستدل به على صدق مقاله ، وصحة ما يدعيه من حاله هذا على قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وأبي بكر بالإفراد ، وجمع غيرهم دلالة على أن فريقاً آخر قالوا : إن مثل هذا المهم العظيم لا يثبت إلا بآيات متعددة ، وأوهموا مكابرة وعناداً أن ذلك لم يقع ، وإن وقع ما يسمى آية .

ولما كان هذا إنكاراً للشمس بعد شروقها ، ومكابرة فيما تحدى به من المعجزات بعد حقوقها ، أشار إليه بقوله : { قل } أي لهم إرخاء للعنان حتى كأنك ما أتيتهم بشيء : { إنما الآيات عند الله } أي الذي له الأمر كله فلا يقدر على إنزال شيء منها غيره ، فإنما الإله هو لا سواه { وإنما أنا نذير } أقوم لكم بما حملني وكلفني من النذارة ، دالاً عليه بما أعطيت من الآيات ، ونواقض المطردات وليس لي أن أقترح عليه الآيات ، على أن المقصود من الآية الدلالة على الصدق ، وهي كلها في حكم آية واحدة في ذلك ، ولم يذكر البشارة لأنه ليس أسلوبها

{ مبين* } أي أوضح ما آتى به من ذلك بعد أن أوضح صحة كوني نذيراً ، فليس إليّ إنزال الآيات ولا طلبها اقتراحاً على الله ، فهو قصر قلب فيهما ، خوطب به من لزمه ادعاء أن إنزال الآيات إليه صلى الله عليه وسلم وأن أمره الإتيان بما يريد أو يطلب منه .