في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلٗا} (65)

58

ولكن هنالك من لا سلطان لك عليهم ، لأنهم مزودون بحصانة تمنعهم منك ومن خيلك ورجلك !

( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان . وكفى بربك وكيلا ) . .

فمتى اتصل القلب بالله ، واتجه إليه بالعبادة . متى ارتبط بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها . متى أيقظ في روحه النفخة العلوية فأشرقت وأنارت . . فلا سلطان حينئذ للشيطان على ذلك القلب الموصول بالله ، وهذا الروح المشرق بنور الإيمان . . )وكفى بربك وكيلا )يعصم وينصر ويبطل كيد الشيطان .

وانطلق الشيطان ينفذ وعيده ، ويستذل عبيده ، ولكنه لا يجرؤ على عباد الرحمن ، فما له عليهم من سلطان .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلٗا} (65)

وقوله { إن عبادي } الآية ، قول من الله تعالى لإبليس ، وقوله { عبادي } يريد المؤمنين في الكفر ، والمتقين في المعاصي ، وخصهم باسم العباد ، وإن كان اسماً عاماً لجميع الخلق ، من حيث قصد تشريفهم والتنويه بهم ، كما يقول رجل لأحد بنيه إذا رأى منه ما يحب : هذا ابني ، على معنى التنبيه منه والتشريف له ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص : «هذا خالي فليرني امرؤ خاله »{[7627]} و «السلطان » الملكة والتغلب ، وتفسيره هنا بالحجة قلق ، ثم قال تعالى لنبيه عليه السلام : { وكفى بربك } يا محمد حافظاً للمؤمنين ، وقيماً على هدايتهم .


[7627]:أخرجه الترمذي في المناقب.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ عِبَادِي لَيۡسَ لَكَ عَلَيۡهِمۡ سُلۡطَٰنٞۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلٗا} (65)

وجملة { إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } من تمام الكلام المحكي ب { قال اذهب } [ الإسراء : 63 ] . وهي جملة مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئاً عن قوله : { فمن تبعك منهم } [ الإسراء : 63 ] وقوله : { واستفزز من استطعت منهم } [ الإسراء : 64 ] ، فإن مفهوم { من تبعك } و { من استطعت } [ الإسراء : 64 ] ذريّة من قبيل مفهوم الصفة فيفيد أن فريقاً من درية آدم لا يتبع إبليس فلا يحتنكه . وهذا المفهوم يفيد أن الله قد عصم أو حفظ هذا الفريق من الشيطان ، وذلك يثير سؤالاً في خاطر إبليس ليعلم الحائل بينه وبين ذلك الفريق بعد أن علم في نفسه علماً إجمالياً أن فريقاً لا يحتنكه لقوله : { لأحتنكن ذريته إلا قليلاً } [ الإسراء : 62 ] . فوقعت الإشارة إلى تعيين هذا الفريق بالوصف وبالسبب .

فأما الوصف ففي قوله : { عبادي } المفيد أنهم تمحضوا لعبودية الله تعالى كما تدل عليه الإضافة ، فعلم أن من عبدوا الأصنام والجن وأعرضوا عن عبودية الله تعالى ليسوا من أولئك .

وأما السبب ففي قوله : { وكفى بربك وكيلاً } المفيد أنهم توكلوا على الله واستعاذوا به من الشيطان ، فكان خير وكيل لهم إذ حاطهم من الشيطان وحفظهم منه .

وفي هذا التوكل مراتب من الانفلات عن احتناك الشيطان ، وهي مراتب المؤمنين من الأخذ بطاعة الله كما هو الحق عند أهل السنّة .

فالسلطان المنفي في قوله : { ليس لك عليهم سلطان } هو الحكم المستمر بحيث يكونون رعيته ومن جنده . وأما غيرهم فقد يستهويهم الشيطان ولكنهم لا يلبثون أن يثوبوا إلى الصالحات ، وكفاك من ذلك دوام توحيدهم لله ، وتصديقهم رسوله ، واعتبارهم أنفسهم عباداً لله متطلبين شكر نعمته ، فشتان بينهم وبين أهل الشرك وإن سخفت في شأنهم عقيدَةُ أهل الاعتزال . وقد تقدم معنى هذا عند قوله تعالى : { إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون } في سورة [ النحل : 99 100 ] .

فالمؤمن لا يتولى الشيطانَ أبداً ولكنه قد ينخدع لوسواسه ، وهو مع ذلك يلعنه فيما أوقعه فيه من الكبائر ، وبمقدار ذلك الانخداع يقترب من سلطانه . وهذا معنى قول النبي في خطبة حجة الوداع : إن الشيطان قد يئس أن يُعبد في بلدكم هذا ولكنه قد رضي بما دون ذلك مما تحقرون من أعمالكم .

فجملة { وكفى بربك وكيلاً } يجوز أن تكون تكملة لتوبيخ الشيطان ، فيكون كاف الخطاب ضمير الشيطان تسجيلاً عليه بأنه عبدُ الله ، ويجوز أن تكون معترضة في آخر الكلام فتكون كاف الخطاب ضمير النبي صلى الله عليه وسلم تقريباً للنبيء بالإضافة إلى ضمير الله . ومآل المعنى على الوجهين واحد وإن اختلف الاعتبار .