في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

40

ويمضي السياق يحذرهم ما كانوا يزاولونه من تلبيس الحق بالباطل ، وكتمان الحق وهم يعلمونه ، بقصد بلبلة الأفكار في المجتمع المسلم ، وإشاعة الشك والاضطراب :

( ولا تلبسوا الحق بالباطل . وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) . .

ولقد زاول اليهود هذا التلبيس والتخليط وكتمان الحق في كل مناسبة عرضت لهم ، كما فصل القرآن في مواضع منه كثيرة ؛ وكانوا دائما عامل فتنة وبلبلة في المجتمع الإسلامي ، وعامل اضطراب وخلخلة في الصف المسلم . وسيأتي من أمثلة هذا التلبيس الشيء الكثير !

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ( 42 )

المعنى ولا تخلطوا ، يقال «لبَسْتُ الأمر » بفتح الباء ألبسه ، إذا خلطته ومزجت بينه بمشكله وحقه بباطله . وأما قول الشاعر( {[544]} ) :

وكتيبة لبّستها بكتيبة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

فالظاهر أنه من هذا المعنى ، ويحتمل أن يكون المعنى من اللباس ، واختلف أهل التأويل في المراد بقوله : { الحق بالباطل } .

فقال أبو العالية : «قالت اليهود : محمد نبي مبعوث ، لكن إلى غيرنا ، فإقرارهم ببعثه حق وجحدهم أنه بعث إليهم باطل » .

وقال الطبري : «كان من اليهود منافقون فما أظهروا من الإيمان حق ، وما أبطنوا من الكفر باطل » .

وقال مجاهد : «معناه لا تخلطوا اليهودية والنصرانية بالإسلام » .

وقال ابن زيد : المراد { بالحق } التوراة ، و «الباطل » ما بدلوا فيها من ذكر محمد عليه السلام ، و { تلبسوا } جزم بالنهي ، { وتكتموا } عطف عليه في موضع جزم( {[545]} ) ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بإضمار «أن » وإذا قدرت «أن » كانت مع { تكتموا } بتأويل المصدر ، وكانت الواو عاطفة على مصدر مقدر من { تلبسوا } ، كأن الكلام ولا يكن لبسكم الحق بالباطل وكتمانكم الحق .

وقال الكوفيون : { تكتموا } نصب بواو الصرف ، و { الحق } يعني به أمر محمد صلى الله عليه وسلم « .

وقوله تعالى : { وأنتم تعلمون } جملة في موضع الحال ولم يشهد لهم تعالى بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا ، ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد عليه السلام ، ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال( {[546]} ) ، وفي هذه الألفاظ دليل على تغليظ الذنب على من واقعه على علم ، وأنه أعصى من الجاهل( {[547]} ) .

{ وأقيموا الصلاة } معناه : أظهروا هيئتها وأديموها بشروطها ، وذلك تشبيه بإقامة القاعد إلى حال ظهور ، ومنه قول الشاعر : [ الكامل ]

وإذا يقال أتيتمُ يبرحوا . . . حتى تقيمَ الخيلُ سوقَ طعان


[544]:- هو عنترة العبسي. بطل مشهور، وشاعر معروف، وعجز البيت: .......................... حتى إذا التبست نفضت لها يدي
[545]:- هذا أرجح الأعاريب في هذه الكلمة لأن ذلك يقتضي النهي عن كل بانفراده، وأما النصب بأن، أو بالصرف فإنه يجعل المنع منسحبا على الجمع بين الفعلين ويكون دالا بالمفهوم على جواز التلبس بأحدهما وذلك غير مراد.
[546]:- يعني أن الجملة الثبوتية تكون معطوفة على جملة النهي، ولا تكون حالا على هذا القول.
[547]:- أي الجاهل العاصي إذ لا يستوي العالم والجاهل أبدا في حياتهما.