قوله { ولا تلبسوا } أمر بترك الإغواء والإضلال كما أن قوله { وآمنوا } أمر بترك الكفر والضلال . ولإضلال الغير طريقان : لأنه إن سمع الدلائل فإضلاله بتشويشها عليه ، وإن لم يسمعها فإضلاله بكتمانها ومنعه من الوصول إليها . فقوله { ولا تلبسوا } إشارة إلى القسم الأول ، وقوله { وتكتموا } المجزوم بلا المقدرة للنهي عطفاً على المنهي قبله إشارة إلى القسم الثاني . والباء التي في { بالباطل } إما للوصل كما في قولك " لبست الشيء بالشيء " خلطته به ، فكان المعنى : ولا تكتبوا في التوراة ما ليس منها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم حتى لا يميز بينهما . وإما للاستعانة كما في " كتبت بالقلم " فالمعنى : ولا تجعلوا الحق ملتبساً بباطلكم وهو الشبهات التي توردونها على السامعين . وذلك أن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد صلى الله عليه وسلم كانت نصوصاً خفية يحتاج في معرفتها إلى الاستدلال ، ثم إنهم كانوا يجادلون فيها ويشوّشون وجه الدلالة على المتأملين كقوله { وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق } [ غافر : 5 ] قيل : ويجوز أن يكون { وتكتموا } منصوباً بإضمار " أن " ، والواو بمعنى الجمع أي لا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق نحو " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " . قلت : هذا التقدير يوهم أن يكون المحظور هو الجمع بين الأمرين كالجمع بين أكل السمك وشرب اللبن حتى لو أتى بكل منهما منفرداً عن الآخر جاز ، اللهم إلا أن يحال ذلك على القرينة كما في قوله { ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } [ الدهر : 24 ] إذ لا يجوز أن يريد أطع أحدهما لقرينة الإثم والكفر . { وأنتم تعلمون } ما في إضلال الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم يوم القيامة " من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها " والنهي عن اللبس والكتمان وإن قيد بالعلم لم يدل على جوازهما حال عدم العلم ، لأن السبب في ذكره أن الإقدام على الفعل الضار مع العلم بكونه ضاراً أفحش من الإقدام عليه عند الجهل بكونه ضاراً ، والنهي وإن كان خاصاً لكنه عام ، فكل عالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.