غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

40

قوله { ولا تلبسوا } أمر بترك الإغواء والإضلال كما أن قوله { وآمنوا } أمر بترك الكفر والضلال . ولإضلال الغير طريقان : لأنه إن سمع الدلائل فإضلاله بتشويشها عليه ، وإن لم يسمعها فإضلاله بكتمانها ومنعه من الوصول إليها . فقوله { ولا تلبسوا } إشارة إلى القسم الأول ، وقوله { وتكتموا } المجزوم بلا المقدرة للنهي عطفاً على المنهي قبله إشارة إلى القسم الثاني . والباء التي في { بالباطل } إما للوصل كما في قولك " لبست الشيء بالشيء " خلطته به ، فكان المعنى : ولا تكتبوا في التوراة ما ليس منها فيختلط الحق المنزل بالباطل الذي كتبتم حتى لا يميز بينهما . وإما للاستعانة كما في " كتبت بالقلم " فالمعنى : ولا تجعلوا الحق ملتبساً بباطلكم وهو الشبهات التي توردونها على السامعين . وذلك أن النصوص الواردة في التوراة والإنجيل في أمر محمد صلى الله عليه وسلم كانت نصوصاً خفية يحتاج في معرفتها إلى الاستدلال ، ثم إنهم كانوا يجادلون فيها ويشوّشون وجه الدلالة على المتأملين كقوله { وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق } [ غافر : 5 ] قيل : ويجوز أن يكون { وتكتموا } منصوباً بإضمار " أن " ، والواو بمعنى الجمع أي لا تجمعوا لبس الحق بالباطل وكتمان الحق نحو " لا تأكل السمك وتشرب اللبن " . قلت : هذا التقدير يوهم أن يكون المحظور هو الجمع بين الأمرين كالجمع بين أكل السمك وشرب اللبن حتى لو أتى بكل منهما منفرداً عن الآخر جاز ، اللهم إلا أن يحال ذلك على القرينة كما في قوله { ولا تطع منهم آثماً أو كفوراً } [ الدهر : 24 ] إذ لا يجوز أن يريد أطع أحدهما لقرينة الإثم والكفر . { وأنتم تعلمون } ما في إضلال الخلق من الضرر العظيم العائد عليكم يوم القيامة " من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها " والنهي عن اللبس والكتمان وإن قيد بالعلم لم يدل على جوازهما حال عدم العلم ، لأن السبب في ذكره أن الإقدام على الفعل الضار مع العلم بكونه ضاراً أفحش من الإقدام عليه عند الجهل بكونه ضاراً ، والنهي وإن كان خاصاً لكنه عام ، فكل عالم بالحق يجب عليه إظهاره ويحرم عليه كتمانه .