واللبس : الخلط ، يقال لبست عليه الأمر ألبسه : إذا خلطت حقه بباطله ، وواضحه بمشكله ، قال الله تعالى : { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } [ الأنعام : 9 ] قالت الخنساء :
ترى الجليس يقول الحقَّ تحسبه *** رُشْداً وهيهات فانظر ما به التبسا
صدق مقالته واحذَر عداوته *** والبس عليه أموراً مثلَ ما لَبَسا
لَما لَبَست الحقَّ بِالتَّجَنيّ *** غَنِين فاسْتبدلن زيداً منيّ
وكتيبة لبستها بكتيبة *** حتى إذا التبست نفضت لها يدي
وقيل : هو مأخوذ من التغطية : أي لا تغطوا الحق بالباطل ، ومنه قول الجعدي :
إذا ما الضجيع ثنى جيدها *** تثنت عليه وكانت لباسا
وقد لبست لهذا الأمر أعصره *** حتى تجلل رأسي الشيب فاشتعلا
والأوّل أولى . والباطل في كلام العرب : الزائل ، ومنه قول لبيد :
*ألا كل شيء ما خلا الله باطل *
وبطل الشيء يبطل بطولاً و بطلاناً ، وأبطله غيره ، ويقال : ذهب دمه بطلاً : أي هدراً ، والباطل : الشيطان ، وسمي الشجاع بطلاً لأنه يبطل شجاعة صاحبه ، والمراد به هنا خلاف الحق .
والباء في قوله : { بالباطل } يحتمل أن تكون صلة ، وأن تكون للاستعانة ذكر معناه في الكشاف ، ورجّح الرازي في تفسيره الثاني . وقوله : { وَتَكْتُمُوا } يجوز أن يكون داخلاً تحت حكم النهي ، أو منصوباً بإضمار أن ، وعلى الأوّل يكون كل واحد من اللبس ، والكتم منهياً عنه ، وعلى الثاني يكون المنهي عنه هو الجمع بين الأمرين ، ومن هذا يلوح رجحان دخوله تحت حكم النهي ، وأن كل واحد منهما لا يجوز فعله على انفراده ، والمراد النهي عن كتم حجج الله التي أوجب عليهم تبليغها ، وأخذ عليهم بيانها ، ومن فسر اللبس أو الكتمان بشيء معين ، ومعنى خاص ، فلم يصب إن أراد أن ذلك هو المراد دون غيره ، لا إن أراد أنه مما يصدق عليه . وقوله : { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } جملة حالية ، وفيه أن كفرهم كفر عناد لا كفر جهل ، وذلك أغلظ للذنب وأوجب للعقوبة ، وهذا التقييد لا يفيد جواز اللبس ، والكتمان مع الجهل ؛ لأن الجاهل يجب عليه أن لا يقدم على شيء حتى يعلم بحكمه خصوصاً في أمور الدين ، فإن التكلم فيها ، والتصدّي للإصدار ، والإيراد في أبوابها إنما أذن الله به لمن كان رأساً في العلم فرداً في الفهم ، وما للجهال والدخول فيما ليس من شأنهم ، والقعود في غير مقاعدهم . وقد أخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس في قوله : { يا بَنِى إسرائيل } قال للأحبار من اليهود { اذكروا نِعْمَتِيَ التى أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي بلائي عندكم ، وعند آبائكم لما كان نجاهم به من فرعون ، وقومه { وَأَوْفُوا بِعَهْدِى } الذي أخذت في أعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه ، واتباعه بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال { وإياى فارهبون } أن أنزل بكم ما أنزلت بمن كان قبلكم من آبائكم من النقمات { وَءامِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدّقًا لمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ } وعندكم فيه من العلم ما ليس عند غيركم { وَتَكْتُمُوا الحق وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي : لا تكتموا ما عندكم من المعرفة برسولي ، وبما جاءكم به وأنتم تجدونه عندكم فيما تعلمون من الكتب التي بأيديكم ، وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عنه في قوله : { أَوْفُوا بِعَهْدِى } يقول : ما أمرتكم به من طاعتي ونهيتكم عنه من معصيتي في النبي صلى الله عليه وسلم ، وغيره { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } يقول : أرض عنكم ، وأدخلكم الجنة . وأخرج ابن المنذر ، عن ابن مسعود مثله . وأخرج ابن المنذر ، عن مجاهد في قوله : { أَوْفُوا بِعَهْدِى } قال : هو : الميثاق الذي أخذه عليهم في سورة المائدة { لَقَدْ أَخَذ الله ميثاق بَنِى إسرائيل } [ المائدة : 12 ] الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.