معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

وقوله : { ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون }

إن شئت جعلت " وتكتموا " في موضع جزم ؛ تريد به : ولا تلبسوا الحق بالباطل ولا تكتموا الحق ، فتلقي " لا " لمجيئها في أول الكلام . وفي قراءة أُبيّ : { ولا تكونوا أول كافر به وتشتروا بآياتي ثمنا قليلا } فهذا دليل على أن الجزم في قوله : { وتكتموا الحق } مستقيم صواب ، ومثله : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } وكذلك قوله : { يأيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم وأنتم تعلمون } وإن شئت جعلت هذه الأحرف المعطوفة بالواو نصبا على ما يقول النحويون من الصرف ؛ فإن قلت : وما الصرف ؟ قلت : أن تأتي بالواو معطوفة على كلام في أوله حادثة لا تستقيم إعادتها على ما عطف عليها ، فإذا كان كذلك فهو الصرف ؛ كقول الشاعر :

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

ألا ترى أنه يجوز إعادة " لا " في " تأتي مثله " فلذلك سمي صرفا إذ كان معطوفا ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي قبله . ومثله من الأسماء التي نصبتها العرب وهي معطوفة على مرفوع قولهم : لو تركت والأسد لأكلك ، ولو خليت ورأيك أن حرفا لا يستقيم فيه ما حدث في الذي قبله . قال : فإن العرب تجيز الرفع ؛ لو ترك عبد الله والأسد لأكله ، فهل يجوز في الأفاعيل التي نصبت بالواو على الصرف أن تكون مردودة على ما قبلها وفيها معنى الصرف ؟ قلت : نعم ؛ العرب تقول : لست لأبي إن أقتلك أو تذهب نفسي ، ويقولون : والله لأضربنك أو تسبقني في الأرض ، فهذا مردود على أول الكلام ، ومعناه الصرف ؛ لأنه لا يجوز على الثاني إعادة الجزم بلم ، ولا إعادة اليمين على والله لتسبقني ، فتجد ذلك إذا أمتحنت الكلام . والصرف في غير " لا " كثير إلا أنا أخرنا ذكره حتى تأتي مواضعه .