إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَلَا تَلۡبِسُواْ ٱلۡحَقَّ بِٱلۡبَٰطِلِ وَتَكۡتُمُواْ ٱلۡحَقَّ وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ} (42)

{ وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل } عطفٌ على ما قبله واللَّبْسُ الخَلْطُ ، وقد يلزمه الاشتباهُ من المختلطين ، والمعنى لا تخلِطوا الحقَّ المُنْزَلَ بالباطل الذي تخترعونه وتكتُبونه حتى يشتبِهَ أحدُهما بالآخر ، أو لا تجعلوا الحقَّ ملتبساً بسبب الباطل الذي تكتُبونه في تضاعيفه ، أو تذكُرونه في تأويله { وَتَكْتُمُواْ الحق } مجزوم داخلٌ تحت حكمِ النهي كأنهم أُمروا بالإيمان وتركِ الضلال ، ونُهوا عن الإضلال بالتلبيس على من سمع الحقَ والإخفاءِ عمن لم يسمعه ، أو منصوبٌ بإضمار أن على أن الواوَ للجمع ، أي لا تجمعوا بين لَبْس الحقِّ بالباطل وبين كتمانِه ، ويعضُده أنه في مُصحف ابن مسعود وتكتُمون أي وأنتم تكتمون أي كاتمين ، وفيه إشعارٌ بأن استقباحَ اللَبسِ لما يصحبُه من كتمان الحق . وتكريرُ الحق إما لأن المرادَ بالأخير ليس عينَ الأول بل هو نعتُ النبي صلى الله عليه وسلم الذي كتَموه وكتبوا مكانه غيرَه كما سيجيء في قوله تعالى : { فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكتاب بِأَيْدِيهِمْ } [ البقرة ، الآية 79 ] وإما لزيادةِ تقبيحِ المنهيِّ عنه ، إذ في التصريح باسمِ الحق ما ليس في ضميره .

{ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي حال كونِكم عالمين بأنكم لابسون كاتمون ، أو أنتم تعلمون أنه حق أو أنتم من أهل العلم ، وليس إيرادُ الحالِ لتقييد النهي به كما في قوله تعالى : { لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى } [ النساء ، الآية 43 ] بل لزيادة تقبيحِ حالهم ، إذ لجاهل عسى يُعذر .