في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

ثم يمضي السياق يصور طبيعة العناد ، التي ينبعث منها ذلك الإعراض ؛ فيرسم نموذجا عجيبا من النفوس البشرية . . ولكنه نموذج مع ذلك مكرور ، يجده الإنسان في كل عصر وفي كل بيئة وفي كل جيل . . نموذج النفس المكابرة ، التي يخرق الحق عينها ولا تراه ! والتي تنكر ما لا ينكر لأنه من الوضوح بحيث يخجل المخالف أن ينكره ! على الأقل من باب الحياء ! . . والقرآن يرسم هذا النموذج شاخصا في كلمات قلائل ، على طريقة التعبير القرآني المبدعة المعجزة في التعبير والتصوير :

( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم ، لقال الذين كفروا : إن هذا إلا سحر مبين ) . .

إنه ليس الذي يجعلهم يعرضون عن أيات الله ، أن البرهان على صدقها ضعيف ، أو غامض ، أو تختلف فيه العقول . إنما الذي يجعلهم يقفون هذا الموقف هو المكابرة الغليظة والعناد الصفيق ! وهو الإصرار مبدئيا على الرفض والإنكار وعدم اعتبار البرهان أو النظر إليه أصلا ! ولو أن الله - سبحانه - نزل على رسول الله [ ص ] هذا القرآن ، لا عن طريق الوحي الذي لا يرونه ؛ ولكن في ورقة منظورة ملموسة محسوسة ؛ ثم لمسوا هم هذه الورقة بأيديهم - لا سماعا عن غيرهم ، ولا مجرد رؤية بعيونهم - ما سلموا بهذا الذي يرونه ويلمسونه ، ولقالوا جازمين مؤكدين :

( إن هذا إلا سحر مبين ) .

وهي صورة صفيقة ، منكرة ، تثير الاشمئزاز ، وتستعدي من يراها عليها ! صورة تثير النفس لتتقدم فتصفعها ! حيث لا مجال مع هذه الجبلات لحجة أو جدل أو دليل !

وتصويرها على هذا النحو - وهي صورة تمثل حقيقة لنماذج مكرورة - يؤدي غرضين أو عدة أغراض :

إنه يجسم للمعارضين أنفسهم حقيقة موقفهم الشائن الكريه البغيض ؛ كالذي يرفع المرآة لصاحب الوجه الشائه والسحنة المنكرة ، ، ليرى نفسه في هذه المرآة ، ويخجل منها !

وهو في الوقت ذاته يستجيش ضمائر المؤمنين تجاه إعراض المشركين وإنكار المنكرين ؛ ويثبت قلوبهم على الحق ، فلا تتأثر بالجو المحيط من التكذيب والإنكار والفتنة والإيذاء .

كذلك هو يوحي بحلم الله الذي لا يعجل على هؤلاء المعارضين المكذبين ، وهم في مثل هذا العناد المنكر الصفيق .

وكلها أسلحة وحركة في المعركة التي كانت تخوضها الجماعة المسلمة بهذا القرآن في مواجهة المشركين .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

لما أخبر عنهم عز وجل بأنهم كذبوا بكل ما جاءهم من آية تبع ذلك إخبار فيه مبالغة مضمنه أنه لو جاءهم أشنع مما جاء لكذبوا أيضاً ، والمعنى { لو نزلنا } بمرأى منهم عليك { كتاباً } أي كلاماً مكتوباً { في قرطاس } أي في صحيفة ، ويقال «قُرطاس » بضم القاف { فلمسوه بايديهم } يريد أنهم بالغوا في ميزه وتقليبه ليرتفع كل ارتياب لعاندوا فيه وتابعوا كفرهم وقالوا هذا سحر مبين ، ويشبه أن سبب هذه الآية اقتراح عبد الله بن أبي امية وتعنته إذ قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لا أؤمن لك حتى تصعد إلى السماء ثم تنزل بكتاب فيه من رب العزة إلى عبد الله بن أبي أمية ، يأمرني بتصديقك ، وما أراني مع هذا كنت أصدقك ، ثم أسلم بعد ذلك عبد الله وقتل شهيداً في الطائف .