التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

وساق جانبا من أقوالهم الباطلة ثم رد عليهم بما يدحضها فقال - تعالى - : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً . . . } .

الكتاب فى الأصل مصدر كالكتابة ، ويستعمل غالبا بمعنى المكتوب ، فيطلق على الصحيفة المكتوبة وعلى مجموعة الصحف .

والقرطاس - بكسر القاف وقد تفتح وتضم فى بعض اللغات - ما يكتب فيه سواء كان من رق أو من ورق أو من غيرهما : ولا يطلق على ما يكتب فيه قرطاس إلا إذا كان مكتوبا .

والمعنى : إن هؤلاء الجاحدين لا ينقصهم الدليل على صدقك يا محمد . ولكن الذى ينقصهم هو التفتح للحق ، والإنقياد للهداية ، فإننا لو نزلنا عليك كتابا من السماء فى قرطاس - كما اقترحوا - فشاهدوه بأعينهم وهو نازل عليك ولمسوه بأيديهم منذ وصوله إلى الأرض وباشروه بعد ذلك بجميع حواسهم بحيث يرتفع عنهم كل ارتياب ، ويزول كل إشكال . لو أننا فعلنا ذلك . استجابة لمقترحاتهم المتعنتة ، لقالوا بلغة العناد والجحود ما هذا الذى أبصرناه ولمسناه إلا سحر مبين .

فالآية الكريمة تصور مكابرتهم المتبجحة ، وعنادهم الصفيق ، وإدبارهم عن الحق مهما تكن قوة أدلته ، ونصاعة حجته .

قال الإمام الرازى " بين الله - تعالى - فى هذه الآية أن هؤلاء الكفار لو أنهم شاهدوا نزول كتاب من السماء دفعة واحدة عليك يا محمد لم يؤمنوا به بل حملوه على أنه سحر . والمراد من قوله { فِي قِرْطَاسٍ } أنه لو نزل الكتاب جملة واحدة فى صحيفة واحدة فرأوه ولمسوه وشاهدوه عيانا لطعنوا فيه وقالوا إنه سحر " .

و { لَوْ } فى الآية الكريمة حرف امتناع ، أى : أنه - سبحانه - قد امتنع عن إجابة مقترحاتهم لأنه يعلم أن إجابتها لا ثمرة لها ، ولا فائدة من ورائها ، لأن هؤلاء الجاحدين لا ينقصهم الدليل على صدق النبى صلى الله عليه وسلم فى دعوته ، وإنما الذى ينقصهم هو الاستجابة للحق والاتجاه السليم لطلبه ، والاستماع إليه بعناية وتفكير .

وعبر - سبحانه - بقوله : { فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ } . مع أن اللمس هو باليد غالبا - للتأكيد وزيادى التعيين ، ودفع احتمال المجاز . فالجملة الكريمة المقصود بها تصوير فرط جحودهم ومكابرتهم ، وإعراضهم عن الحق مهما تكن قوة الدليل وحسيته .

وفى قوله - تعالى - { لَقَالَ الذين كَفَرُواْ } إشارة إلى أن الكافرين وحدهم هم الذين بسبب كفرهم - ينتحلون الأعذار لضلالهم ، ويصفون الحق الواضح بأنه سحر مبين . أما المؤمنون فإنهم يقابلون الحق بالتصديق والإذعان .

وقد حكى القرآن عنهم أنهم قالوا : { إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ، فأكدوا حكمهم الباطل بطريق النفى والإثبات - أى : أنه مقصور على أنه سحر - وبالإشارة إليه ، وبأنه بين واضح فى كونه سحراً ، وذلك يدل على أن تبجحهم قد بلغ النهاية ، وأن مكابرتهم قد كذبت ما شهدت بصدقه حواسهم ، وإن قوماً بهذه الدرجة من العناد لا تجدى فيهم معجزة ، ولا ينفع معهم دليل .

وفى معنى هذه الآية قد وردت آيات أخرى فى القرآن الكريم منها قوله - تعالى - { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله ولكن أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } ومنها قوله - تعالى - { وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السماء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ }