اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

قال الكلبي{[13265]} ومقاتل : نزلت هذه الآية في النَّضْرِ بن الحَرْثِ{[13266]} ، وعبد الله بن أبي أم‍يَّةَ ، ونوفل بن خُوَيْلدٍ قالوا : يا محمد لَنْ نُؤمِنَ لَكَ حَتَّى تأتينا بكتاب من عندِ اللَّهِ ، ومعه أربعةٌ من الملائكة يَشْهدُونَ معه أنَّهُ من عند الله ، وأنَّك رسوله ، فأنزل الله تعالى : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ } مكتوباً من عنده " فَلَمَسُوه بأيديهم " أي : عَايَنُوهُ ومَسُّوهُ بأيديهم ، وذكر اللَّمْسَ ولم يذكر المُعَايَنَةَ ، لأن اللَّمْسَ أبْلَغُ في إيقاع العِلْمِ من الرؤية ، ولأنّ السِّحْر يجري على المرئي ، ولا يجري على الملموس{[13267]} .

قوله : " فِي قِرْطَاسٍ " يجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنه صِفَةٌ ل " كتاب " ، سواء أريد ب " كتاب " المصدرُ ، أم الشَّيء المكتوب ، ويجوز أن يتعلق بنفس " كتاباً " ، سواء أريد به المصدر ، أم الشيء المكتوب ، ومن مجيء الكتاب بمعنى مكتوب قوله : [ الطويل ]

. . . . . . . . . . . . . . . . صَحِيفَةً *** أَتَتْكَ مِنَ الحَجَّاجِ يُتْلَى كِتَابُهَا{[13268]}

ومن النَّاس من جعل " كتاباً " في الآية الكريمة مَصْدَراً ؛ لأن نَفْسَ الكُتُبِ لا تُوصَفُ بالإنزال إلاَّ بتجوُّزٍ بعيدٍ ، ولكنهم قد قالوا هنا ويجوز أن يتعلَّق " في قِرْطَاسٍ " ب " نَزَّلْنا " .

والقِرْطاس : الصَّحِيفة يُكتبُ فيها تكُون من رقٍّ وكَاغِدٍ{[13269]} ، بكسر القاف وضمها ، والفصيح الكسر ، وقرئ{[13270]} بالضَّم شاذّاً نَقَلَهُ أبو البقاء{[13271]} - رحمه الله تعالى- .

والقِرْطَاسُ : اسم أعْجِمِيُّ مُعَرَّبٌ ، ولا يقال : قِرْطَاس إلاَّ إذا كان مكتوباً ، وإلاَّ فهو طِرْسٌ{[13272]} وكَاغِدٌ ، وقال زهير : [ البسيط ]

لَهَا أخَادِيدُ مِنْ آثَارِ سَاكِنِها *** كَمَا تَردَّدَ فِي قِرْطَاسِهِ القَلَم{[13273]}

قوله : " فَلَمَسُوهُ " الضمير المنصوب يجوز أن يَعُودَ على " القِرْطاس " ، وأن يعود على " كتاب " بمعنى مَكْتُوب .

و " بأيديهم " متعلِّق ب " لَمَسَ " .

و " الباء " للاستعانة كعملت بالقَدُّوم . و " لَقَال " جواب " لو " جاء على الأفصح من اقتران جوابها المُثْبَتِ باللام .

قوله : " إنْ هذا " [ و ]{[13274]} " إنْ " نافية ، و " هذا " مُبْتَدَأ ، و " إلاَّ سحرٌ " خبره ، فهو استثناء مُفَرَّغٌ ، والجُمْلَة المَنْفِيَّةُ في مَحَلِّ نصب بالقولِ ، وأوقع الظَّاهرَ مَوْقَعَ المضمر في قوله : " لَقَالَ الذين كَفَرُوا " شَهادَةً عليهم بالكُفْرِ ، والجملة الامتنَاعِيَّةُ لا مَحَلَّ لها من الإعراب لاستئنافها .

ومعنى الآية الكريمة : أنَّهُ لا يَنْفَعُ معهم شيءٌ لما سبق فيهم من علمي ، واللَّهُ أعلم .


[13265]:في أ: القرطبي وينظر: تفسير القرطبي 6/253.
[13266]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (6/253) عن الكلبي.
[13267]:ينظر: البحر المحيط 4/82.
[13268]:تقدم.
[13269]:الكاغد: القرطاس مُعّرب. ينظر: ترتيب القاموس 4/62، اللسان (كغد) (3892).
[13270]:ينظر: الشواذ ص 42.
[13271]:ينظر: الإملاء 1/336.
[13272]:الطِّرسُ: الصحيفة، ويقال: هي التي مُحيت ثم كتبت، وقال ابن سيده: الطرس الكتاب الذي محي ثم كتب. ينظر: اللسان: (طرس) (2655).
[13273]:ينظر: البحر 4/71، الدر المصون 3/14.
[13274]:سقط في أ.