البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

القرطاس اسم لما يكتب عليه من رق وورق وغير ذلك ، قال الشاعر وهو زهير :

لها أخاديد من آثار ساكنها *** كما تردد في قرطاسه القلم

ولا يسمى قرطاساً إلا إذا كان مكتوباً وإن لم يكن مكتوباً فهو طرس وكاغد وورق ، وكسر القاف أكثر استعمالاً وأشهر من ضمها وهو أعجمي وجمعه قراطيس .

{ ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين } سبب نزولها اقتراح عبد الله بن أبي أمية وتعنته إذ قال للنبيّ صلى الله عليه وسلم : لا أؤمن لك حتى تصعد إلى السماء ، ثم تنزل بكتاب فيه من ربّ العزة إلى عبد الله بن أمية يأمرني بتصديقك .

وما أراني مع هذا كنت أصدقك .

ثم أسلم بعد ذلك وقتل شهيداً بالطائف ولما ذكر تعالى تكذيبهم الحق لما جاءهم ثم وعظهم وذكرهم بإهلاك القرون الماضية بذنوبهم ذكرهم مبالغتهم في التكذيب بأنهم لو رأوا كلاماً مكتوباً { في قرطاس } ومع رؤيتهم جسوه بأيديهم ، لم تزدهم الرؤية واللمس إلا تكذيباً وادعوا أن ذلك من باب السحر لا من باب المعجز عناداً وتعنتاً وإن كان من له أدنى مسكة من عقل لا ينازع فيما أدركه بالبصر عن قريب ولا بما لمسته يده ، وذكر اللمس لأنهم لم يقتصروا على الرّؤية لئلا يقولوا سكرت أبصارنا ، ولما كانت المعجزات مرئيات ومسموعات ذكر الملموسات مبالغة في أنهم لا يتوقفون في إنكار هذه الأنواع كلها حتى إن الملموس باليد هو عندهم مثل المرئي بالعين والمسموع بالأذن ، وذكر اليد هنا فقيل مبالغة في التأكيد ولأن اليد أقوى في اللمس من غيرها من الأعضاء .

وقيل : الناس منقسمون إلى بصراء وأضراء ، فذكر الطريق الذي يحصل به العلم للفريقين .

وقيل : علقه باللمس باليد لأنه أبعد عن السحر .

وقيل : اللمس باليد مقدمة الإبصار ولا يقع مع التزوير .

وقيل : اللمس يطلق ويراد به الفحص عن الشيء والكشف عنه ، كما قال :

{ وإنا لمسنا السماء } فذكرت اليد حتى يعلم أنه ليس المراد به ذلك اللمس ، وجاء { لقال الذين كفروا } لأن مثل هذا الغرض يقتضي انقسام الناس إلى مؤمن وكافر ، فالمؤمن يراه من أعظم المعجزات والكافر يجعله من باب السحر ، ووصف السحر ب { مبين } إما لكونه بيناً في نفسه ، وإما لكونه أظهر غيره .

{ وقالوا لولا أنزل عليه ملك } قال ابن عباس قال النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خالد : يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة ، يشهدون أنه من عند الله وإنك رسوله ؛ انتهى .

والظاهر أن قوله { وقالوا } استئناف إخبار من الله ، حكى عنهم أنهم قالوا ذلك ويحتمل أن يكون معطوفاً على جواب لو أي : { لقال الذين كفروا } ولقالوا { لولا أنزل عليه ملك } فلا يكون إذ ذاك هذان القولان المرتبان على تقدير إنزال الكتاب { في قرطاس } واقعين ، لأن التنزيل لم يقع وكان يكون القول الثاني غاية في التعنت ، وقد أشار إلى هذا الاحتمال أبو عبد الله بن أبي الفضل قال : في الكلام حذف تقديره ولو أجبناهم إلى ما سألوا لم يؤمنوا