التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ} (7)

{ وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ( 1 ) فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ( 7 ) } [ 7 ] .

( 1 ) قرطاس : الورق أو ما يقول مقامه للكتابة من مواد مصنوعة . وجملة { كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ } تعني قرطاسا مكتوبا عليه كتابة .

في الآية وصف لشدة عناد الكفار وتكذيبهم حتى لو أنزل الله تعالى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرطاسا عليه كتابة فلمسوه بأيديهم لقالوا إن هذا سحر وليس حقيقة .

ولقد روى بعض المفسرين {[900]} أن الآية نزلت جوابا لتحدي بعض زعماء الكفار ؛ حيث قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنهم لن يؤمنوا حتى ينزل عليه كتاب في قرطاس معه أربعة من الملائكة يشهدون على صحة صدوره من الله وعلى صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والرواية لم ترد في الصحاح ولكن القرآن حكى مثل هذا التحدي عن زعماء قريش في سورتي المدثر والإسراء ؛ حيث جاء في الأولى هذه الآية : { بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ( 52 ) } وحيث جاء في الثانية : { أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه } [ 93 ] والذي يتبادر لنا من نظم الآية وعطفها على ما سبقها أنها جاءت مع الآيات السابقة واللاحقة لها سياقا واحدا بسبيل تصوير كون مواقف ومطالب الكفار هي عنادا وليست رغبة في القناعة عن حسن نية . وهذا لا يمنع أن يكون انطوى في الآية جواب على تحد وقع من الكفار في ظروف نزولها . ويكون الجواب في هذه الحالة من نوع الأجوبة السلبية التي تكررت في القرآن واقتضتها حكمة الله بعدم الاستجابة لتحدي الكفار كلما طالبوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعجزة على ما شرحناه في مناسبات سابقة .

تعليق على كلمة ( قرطاس )

وبمناسبة ورود كلمة قرطاس لأول مرة نقول : إن من المفسرين من قال : إنه الورق ، ومن قال : إنه الصحيفة ، ومن قال : إنه الكاغد {[901]} . وقد وردت الكلمة في القرآن مرة أخرى بصيغة قراطيس في إحدى آيات هذه السورة بمعنى الصحف أو أوراق الصحف .

وعلى كل حال فالمتبادر أنه مادة ملساء خاصة بالكتابة ، ولعله الورق الحريري الذي يقال له البارشمن ، والذي روي أنه كان مستعملا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في البلاد المتحضرة . أو لعله الورق المصري المصنوع من البردي والمسمى بالبابيروس . وورود الكلمة في القرآن يدل أن الورق ، أو ما يمكن أن يوصف بهذا الوصف كمادة يكتب عليها مما كان معروفا مستعملا في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته قبل نزول القرآن .

ولقد روت الروايات أنه كان يكتب في بيئة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي حياته ممتدا إلى ما قبله على الرق المتخذ من جلد الأنعام وعلى أكتاف العظام ولحاف الشجر وقطع النسيج . وقد يكون هذا صحيحا غير أن أسلوب الآية وعدم ورود ذكر لغير القرطاس والرق {[902]} في القرآن كمادة للكتابة قد يدل على أن الكتابة على هاتين المادتين هي المألوف الذي لا يرد على البال غيره . ولما كان القرطاس قد تكرر ذكره في القرآن وجاء في صيغة جمع كما قلنا آنفا فيكون هو المألوف في الدرجة الأولى . ويكون ما استقر في الأذهان من بدائية أهل عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبيئته وكون أكتاف العظام ولحاف الشجر وقطع النسيج هي مادة الكتابة عندهم مبالغا فيه كثيرا .


[900]:انظر تفسيرها في تفسير الطبرسي والخازن والبغوي.
[901]:انظر تفسير الآيات في تفسير الخازن والطبرسي وابن كثير مثلا.
[902]:الرق هو ما يتخذ من جلود الأنعام وجمعه: رقوق. وقد ورد ذكره كشيء يكتب عليه في آيات سورة الطور هذه: {والطور (1) وكتاب مسطور (2) في رق منشور(3)}.