والمقطع الثالث بقية للمقطع الثاني يحكي تكذيب الذين كفروا بالبعث - وظاهر أن الذين كفروا هم المشركون الذين كان الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يواجههم بالدعوة - وفيه توجيه للرسول أن يؤكد لهم أمر البعث توكيدا وثيقا . وتصوير لمشهد القيامة ومصير المكذبين والمصدقين فيه ؛ ودعوة لهم إلى الإيمان والطاعة ورد كل شيء لله فيما يقع لهم في الحياة :
زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا . قل بلى وربي لتبعثن ، ثم لتنبئون بما عملتم . وذلك على الله يسير . فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا . والله بما تعملون خبير . يوم يجمعكم ليوم الجمع ، ذلك يوم التغابن ، ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ، ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا . ذلك الفوز العظيم . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير . ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ، ومن يؤمن بالله يهد قلبه ، والله بكل شيء عليم ، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين . الله لا إله إلا هو ، وعلى الله فليتوكل المؤمنون . .
ومنذ البدء يسمي مقالة الذين كفروا عن عدم البعث زعما ، فيقضي بكذبه من أول لفظ في حكايته . ثم يوجه الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] إلى توكيد أمر البعث بأوثق توكيد ، وهو أن يحلف بربه . وليس بعد قسم الرسول بربه توكيد : ( قل : بلى وربي لتبعثن ) . . ( ثم لتنبئون بما عملتم ) . . فليس شيء منه بمتروك . والله أعلم منهم بعملهم حتى لينبئهم به يوم القيامة ! ( وذلك على الله يسير ) . . فهو يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم السر والعلن وهو عليم بذات الصدور . وهو على كل شيء قدير . كما جاء في مطلع السورة تمهيدا لهذا التقرير .
قوله تعالى : " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا " أي ظنوا . الزعم هو القول بالظن . وقال شريح : لكل شيء كُنية وكُنية الكذب زعموا . قيل : نزلت في العاص بن وائل السهمي مع خباب حسب ما تقدم بيانه في آخر سورة " مريم{[15044]} " ، ثم عمت كل كافر . " قل " يا محمد " بلى وربي لتبعثن " أي لتخرجن من قبوركم أحياء . " ثم لتنبؤن " لتخبرن . " بما عملتم " أي بأعمالكم . " وذلك على الله يسير " إذ الإعادة أسهل من الابتداء .
ولما قرر وجوب الإيمان به وبرسله وكتبه وبالقدر{[65747]} خيره وشره{[65748]} ، وقسم الناس إلى مؤمن وكافر ، وأخبر أن الكافر تكبر عن الرسل ، عين الموجب الأعظم لكفرهم بقوله دالاً على وجوب الإيمان بالبعث وترك القياس والرأي فإن عقل الإنسان لا يستقل ببعض أمور الإلهية ، معبراً بما أكثر إطلاقه {[65749]}على ما{[65750]} يشك فيه ويطلق على الباطل إشارة إلى أنهم شاكون وإن كانوا جازمين ، لكونهم لا دليل لهم ، وإلى أنهم في نفس الأمر مبطلون : { زعم } قال ابن عمر رضي الله عنهما : هي كنية الكذب{[65751]} ، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عند أبي داود{[65752]} : " بئس مطية الرجل زعموا " { الذين كفروا } أي أوقعوا الستر لما دلت عليه العقول من وحدانية الله تعالى ولو على أدنى الوجوه .
ولما كان الزعم ادعاء العلم وكان مما يتعدى إلى مفعولين ، أقام سبحانه مقامهما قوله : { أن لن يبعثوا } أي من باعث ما بوجه من الوجوه . ولما كان قد أشار سبحانه بنوعي المؤمن والكافر إلى الدليل القطعي الضروري على وجود المبطل اللازم منه ودعه اللازم منه وجوب البعث ، اكتفى في الأمر بإجابتهم بقوله{[65753]} : { قل } أي لهم : { بلى } أي لتبعثن ، ثم أكده بصريح القسم فقال : { وربى } أي المحسن إليّ بالانتقام ممن كذب بي ، وبإحقاق كل حق أميت ، وإبطال كل باطل أقيم { لتبعثن } مشيراً ببنائه للمفعول إلى أنه ويكون على وجه القهر لهم بأهون شيء وأيسر أمر وكذلك{[65754]} قوله : { ثم لتنبؤن } أي لتخبرن{[65755]} حتماً إخباراً عظيماً ممن يقيمه الله لإخباركم { بما عملتم } للدينونة عليه . وشرح بعض ما أفاده بناء الفعلين للمجهول بقوله : { وذلك } أي الأمر العظيم عندكم من البعث والحساب { على الله } أي المحيط بصفات الكمال وحده { يسير * } لقبول المادة وحصول القدرة ، وكون قدرته سبحانه كذلك شأنها ، نسبة الأشياء الممكنة كلها جليلها وحقيرها إليها على حد سواء .
قوله تعالى : { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربيّ لتبعثن ثم لتنبّؤن بما عملتم وذلك على الله يسير 7 فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير 8 يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفّر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم 9 والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير } .
يخبر الله عن عتوّ الكافرين ، إذ جحدوا القيامة وكذّبوا بالبعث والحساب وأنكروا إحياء الموتى وبعثهم من قبورهم بعد أن كانوا رفاتا . وهو قوله : { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا } الزعم ، ادعاء العلم . وقيل : كنية الكذب قولهم : زعموا . فقد زعم الكافرون - من غير حجة ولا برهان إلا الظن والتخريص والهذيان - أن لن يبعثهم الله ليوم القيامة وأن الساعة غير قائمة { قل بلى وربيّ لتبعثن } بلى ، لإيجاب النفي . أو هي إثبات لما بعد ، لن وهو البعث . أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث : بلى تبعثون - مقسما على ذلك بربه . يعني : بلى وربي لتخرجن من قبوركم أحياء { ثم لتنبّؤن بما عملتم } أي لتخبرن بأعمالكم التي قدمتموها في الدنيا { وذلك على الله يسير } أي إحياؤكم وبعثكم من قبوركم للحساب والجزاء ، أمر يسير على الله ، فإن الله لا يعز عليه أن يفعل في الخلق ما يشاء .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.