في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا} (28)

21

يا ويلتا ليتني لم أتخذ فلانا خليلا . . فلانا بهذا التجهيل ليشمل كل صاحب سوء يصد عن سبيل الرسول ويضل عن ذكر الله . .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا} (28)

{ يا ويلتى } وقرئ بالياء على الأصل . { ليتني لم اتخذ فلانا خليلا } يعني من أضله وفلان كناية عن الأعلام كما أن هنا كناية عن الأجناس .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا} (28)

{ يا ليتني } نداء للكلام الدال على التمني بتنزيل الكلمة منزلة العاقل الذي يطلب حضوره لأن الحاجة تدعو إليه في حالة الندامة ، كأنه يقول : هذا مقامُك فاحضري ، على نحو قوله : { يا حَسْرَتَنا على ما فرطنا فيها } في سورة [ الأنعام : 31 ] . وهذا النداء يزيد المتمني استبعاداً للحصول .

كذلك قوله : { يا وَيْلَتَا } هو تحسّر بطريق نداء الويل . والويل : سوء الحال ، والألف عوض عن ياء المتكلم ، وهو تعويض مشهور في نداء المضاف إلى ياء المتكلم .

وقد تقدم الكلام على الويل في قوله تعالى : { فويل للذين يَكْتُبون الكتاب } في سورة [ البقرة : 79 ] . وعلى { يا وَيْلَتنا } في قوله : { يا ويْلَتَنا مَالِ هَذَا الكتاب } في سورة [ الكهف : 49 ] .

وأتبَع التحسّرَ بتمني أن لا يكون { اتّخذ فلاناً خليلاً } .

وجملة { ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً } بدل من جملة { ليتني اتّخذتُ مع الرسول سبيلاً } بدل اشتمال لأن اتباع سبيل الرسول يشتمل على نبذ خُلّة الذين يصدون عن سبيله فتمني وقوع أولهما يشتمل على تمني وقوع الثاني .

وجملة { يا ويلتا } معترضة بين جملة { يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً } وجملة { ليتني لم اتخذ فلاناً خليلاً } .

و ( فلان ) : اسم يكنّى عمّن لا يُذكر اسمه العلَمُ ، كما يُكنّى ب ( فلانة ) عمّن لا يُراد ذكر اسمها العلم ، سواء كان ذلك في الحكاية أم في غيرها . قاله ابن السكيت وابن مالك خلافاً لابن السراج وابننِ الحاجب في اشتراط وقوعه في حكايةٍ بالقول ، فيعامل ( فلانُ ) معاملةَ العَلَم المقرون بالنون الزائدة و ( فلانة ) معاملة العَلَم المقترن بهاء التأنيث ، وقد جمعهما قول الشاعر :

ألاَ قاتل اللَّه الوشَاةَ وقولَهم *** فُلانة أضحت خُلة لفلان

أراد نفسه وحبيبته .

وقال المَرار العبسي :

وإذا فلان مات عن أُكرومة *** دَفعوا معاوز فقده بفلان

أراد : إذا مات مَن له اسم منهم أخلفوه بغيره في السؤدد ، وكذلك قول معن بن أوس :

وحتى سألتُ القَرض من كل ذي *** الغنى ورَدّ فلان حاجتي وفلان

وقال أبو زيد في « نوادره » : أنشدني المفضل لرجل من ضبة هلك منذ أكثر من مائة سنة ، أي في أواسط القرن الأول للهجرة :

إن لسعد عندنا ديواناً *** يخزي فلاناً وابنَه فلاناً

والداعي إلى الكناية بفلان إما قصد إخفاء اسمه خيفة عليه أو خيفة من أهلهم أو للجهل به ، أو لعدم الفائدة لذكره ، أو لقصد نوع من له اسمٌ عَلَم . وهذان الأخيران هما اللذان يجريان في هذه الآية إن حُمِلت على إرادة خصوص عُقبة وأُبَيَ أو حملت على إرادة كل مشرك له خليل صَدّه عن اتّباع الإسلام .

وإنّما تمنّى أن لا يكون اتّخذه خليلاً دون تمنِّي أن يكون عصاه فيما سوّل له قصداً للاشمئزاز من خلّته من أصلها إذ كان الإضلال من أحوالها .

وفيه إيماء إلى أن شأن الخُلّة الثقة بالخليل وحمل مشورته على النصح فلا ينبغي أن يضع المرءُ خلّته إلا حيث يوقن بالسلامة من إشارات السوء قال الله تعالى { يأيّها الذين آمنوا لا تتَّخِذوا بطانةً من دُونِكم لا يألونكم خبالاً } [ آل عمران : 118 ] فعلى من يريد اصطفاء خليل أن يسير سيرته في خُويصّته فإنه سيحمل من يخالّه على ما يسير به لنفسه ، وقد قال خالد بن زهير وهو ابن أخت أبي ذؤيب الهُذلي :

فأول راضٍ سُنة مَن يسيرها

وهذا عندي هو محمل قول النبي صلى الله عليه وسلم " لو كنتُ متّخِذاً خليلاً غيرَ ربّي لاتّخذت أبا بكر خليلاً " فإن مقام النبوءة يستدعي من الأخلاق ما هو فوق مكارم الأخلاق المتعارفة في الناس فلا يليق به إلا متابعة ما لله من الكمالات بقدر الطاقة ولهذا قالت عائشة : كان خُلُقُه القرآن . وعلمنا بهذا أن أبا بكر أفضل الأمة مكارمَ أخلاق بعد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي جعَلَه المخيَّرَ لخلته لو كان مُتّخذاً خليلاً غيرَ الله .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا} (28)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{يا ويلتى} يدعو بالويل، ثم يتمنى، فيقول: يا {ليتني لم اتخذ فلانا خليلا}، يعني: يا ليتني لم أطع فلانا...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{يا ويلتى لم أتخذ فلانا خليلا} يحتمل الإنسان، ويحتمل الشيطان، أي لم أتخذ الشيطان خليلا، ولم أطعه في ما دعاني إليه 4، والإنسان الذي قلده في ما قلده.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 27]

يندم الكافر على صحبة الكفار. ودليل الخطاب يقتضي سرورَ المؤمنين بمصاحبة أخدانهم وأحبائهم في الله، وأمَّا الكافر فَيُضِلُّ صاحبَه فيقع معه في الثبور، ولكن المؤمن يهدي صاحبه إلى الرشد فيصل به إلى السرور.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" يا ويلتا "دعاء بالويل والثبور على محالفة الكافر ومتابعته. "ليتني لم أتخذ فلانا خليلا"... وكني عنه ولم يصرح باسمه لئلا يكون هذا الوعد مخصوصا به ولا مقصورا، بل يتناول جميع من فعل مثل فعلهما. وقال مجاهد وأبو رجاء: الظالم عام في كل ظالم، وفلان: الشيطان. واحتج لصاحب هذا القول بأن بعده "وكان الشيطان للإنسان خذولا".

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما تأسف على مجانبة الرسول، تندم على مصادقة غيره بقوله: {يا ويلتي} أي يا هلاكي الذي ليس لي منادم غيره لأنه ليس بحضرتي سواه. ولما كان يريد محالاً، عبر بأداته فقال: {ليتني لم أتخذ فلاناً} يعني الذي أضله -يسميه باسمه، وإنما كنى عنه وهو سبحانه لا يخاف من المناواة، ولا يحتاج إلى المداجاة، إرادة للعموم وإن كانت الآية نزلت في شخص معين {خليلاً} أي صديقاً أوافقه في أعماله لما علمت من سوء عاقبتها.

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

ويلتا: الألف مقلوبة عن ياء المتكلم، والويلة بمعنى الهلاك، فهو ينادي هلاكه الذي نزل به، وذلك للشعور بما نزل به، فكأنه ينادى بهلاكه إيماء إلى نزوله به، وكأنه يناديه تحسرا، وكأنه يقول يا هلاكي أقبل فهذا وقتك، فإنك نازل لا محالة، وفيه إشعار بأنه يستحقه، ولقد كان في الآية السابقة يتمنى أن يتخذ مع الرسول السبيل الجيد المستقيم، فهنا يتمنى أنه لم يتخذ فلانا خليلا صادقا يخاله ويوده، ويقترن به ويتبعه، ليت وهل ينفع شيئا ليت، وفلان كناية عن صاحبه وأصحابه، ويتمنى أن لو كان لم يتخذهم أخلاء له، ويتحقق قوله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين (67)} [الزخرف]. وهذه الآية وإن كان موضوعها في اليوم الآخر، يشير إلى سبب الفساد بين الناس في دار الابتلاء، والسبب يتلخص في أمرين: أولهما صحبة السوء، فإن صاحب السوء أخو الشيطان يسهل للشيطان سبيله، ثانيهما الرأي الفاسد، فإنه يكثر فيه خلان السوء ودعاة الشر، والتخذيل عن الخير.

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

[نص مكرر لاشتراكه مع الآية 27]

وبين كتاب الله أن الشأن في خصوم الرسالات والرسل أن لا يستيقظوا من غفلتهم، ولا يقوموا من عثرتهم، إلا بعد فوات الوقت وضياع الفرصة، فيندمون ولات حين مندم، معترفين في نفس الوقت بأنهم وقعوا في شرك الضلال على أيدي الضالين المضلين، من أخلائهم وأصدقائهم في الدنيا، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا}.