في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

55

ثم يعود السياق القرآني ليقرر أن الإيمان الحق إنما يتمثل في هذه الصورة :

( والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقاً لهم مغفرة ورزق كريم ) . .

أولئك هم المؤمنون حقاً . . فهذه هي الصورة الحقيقية التي يتمثل فيها الإيمان . . هذه هي صورة النشأة الحقيقية والوجود الحقيقي لهذا الدين . . إنه لا يوجد حقيقة بمجرد إعلان القاعدة النظرية ؛ ولا بمجرد اعتناقها ؛ ولا حتى بمجرد القيام بالشعائر التعبدية فيها . . إن هذا الدين منهج حياة لا يتمثل في وجود فعلي ، إلا إذا تمثل في تجمع حركي . . أما وجوده في صورة عقيدة فهو وجود حكمي ، لا يصبح [ حقاً ] إلا حين يتمثل في تلك الصورة الحركية الواقعية . .

وهؤلاء المؤمنون حقاً ، لهم مغفرة ورزق كريم . . والرزق يذكر هنا بمناسبة الجهاد والإنفاق والإيواء والنصرة وتكاليف هذا كله . . وفوقه المغفرة وهي من الرزق الكريم . بل هي أكرم الرزق الكريم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

{ والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا } لما قسم المؤمنين ثلاثة أقسام بين أن الكاملين في الإيمان منهم هم الذين حققوا إيمانهم بتحصيل مقتضاه من الهجرة وبذل المال ونصرة الحق ، ووعد لهم الموعد الكريم فقال : { لهم مغفرة ورزق كريم } لا تبعة له ولا منة فيه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ} (74)

الأظهر أنّ هذه جملة معترضة بين جملة { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض } [ الأنفال : 73 ] ، وجملة { والذين آمنوا من بعد وهاجروا } [ الأنفال : 75 ] الآية ، والواو اعتراضية للتنويه بالمهاجرين والأنصار ، وبيان جزائهم وثوابهم ، بعد بيان أحكام ولاية بعضهم لبعض بقوله : { إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله } إلى قوله : { أولئك بعضهم أولياء بعض } [ الأنفال : 72 ] فليست هذه تكريراً للأولى ، وإن تشابهت ألفاظها : فالأولى لبيان ولاية بعضهم لبعض ، وهذه واردة للثناء عليهم والشهادة لهم بصدق الإيمان مع وعدهم بالجزاء .

وجيء باسم الإشارة في قوله : { أولئك هم المؤمنون } لمثل الغرض الذي جيء به لأجله في قوله : { أولئك بعضهم أولياء بعض } [ الأنفال : 72 ] كما تقدّم .

وهذه الصيغة صيغة قصر ، أي قصر الإيمان عليهم دون غيرهم ممّن لم يهاجروا ، والقصر هنا مقيّد بالحال في قوله : { حَقّاً } . فقوله : { حقّا } حال من { المؤمنون } وهو مصدر جعل من صفتهم ، فالمعنى : أنّهم حاقّون ، أي محقّقون لإيمانهم بأن عضّدوه بالهجرة من دار الكفر ، وليس الحقّ هنا بمعنى المقابل للباطل ، حتّى يكون إيمان غيرهم ممّن لم يهاجروا باطلاً ، لأنّ قرينة قوله : { والذين آمنوا ولم يهاجروا } [ الأنفال : 72 ] مانعة من ذلك ، إذ قد أثبت لهم الإيمان ، ونفى عنهم استحقاق ولاية المؤمنين .

والرزق الكريم هو الذي لا يخالط النفع به ضرّ ولا نكد ، فهو نفع محض لا كدر فيه .