في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

ثم يزيد هذا الاستهوال والاستعظام بالتجهيل ، وإخراج المسألة عن حدود العلم والإدراك : ( وما أدراك ما الحاقة ? ) . . ثم يسكت فلا يجيب على هذا السؤال . ويدعك واقفا أمام هذا الأمر المستهول المستعظم ، الذي لا تدريه ، ولا يتأتى لك أن تدريه ! لأنه أعظم من أن يحيط به العلم والإدراك !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

وما أدراك ما الحاقة وأي شيء أعلمك ما هي أي أنك لا تعلم كنهها فإنها أعظم من أن تبلغها دراية أحد و ما مبتدأ و أدراك خبره .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

وقوله تعالى : { وما أدراك ما الحاقة } مبالغة في هذا المعنى : أي أن فيها ما لم تدره من أهوالها ، وتفصيل صفاتها . { وما } ، تقرير وتوبيخ . وقوله تعالى : { ما الحاقة } ابتداء وخبر في موضع نصب ب { أدراك } ، و { ما } الأولى ، ابتداء وخبرها { أدراك ما الحاقة } ، وفي { أدراك } ، ضمير عائد على { ما } هو ضمير الفاعل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

وجملة { ومَا أدراك ما الحاقّة } يجوز أن تكون معترضة بين جملة { ما الحاقّة } وجملة { كذبت ثمود وعاد بالقارعة } [ الحاقة : 4 ] ، والواو اعتراضية .

ويجوز أن تكون الجملة معطوفة على جملة { ما الحاقة } .

و{ مَا } الثانية استفهامية ، والاستفهام بها مكنَّى به عن تعذر إحاطة علم الناس بكنه الحاقّة لأن الشيء الخارج عن الحد المألوف لا يتصور بسهولة فمن شأنه أن يُتساءل عن فهمه .

والخطابُ في قوله : { وما أدراك } لغير معيَّن . والمعنى : الحاقة أمر عظيم لا تدركون كُنْهَهُ .

وتركيب « مَا أدراك كذا » مما جرى مجرى المثل فلا يغير عن هذا اللفظ وهو تركيب مركب من { ما } الاستفهامية وفعل ( أدرى ) الذي يتعدى بهمزة التعدية إلى ثلاثة مفاعيل من باب أعلمَ وأرى ، فصار فاعل فعله المجرد وهو ( دَرى ) مفعولاً أول بسبب التعدية . وقد علق فعل { أدراك } عن نصب مفعولين ب { ما } الاستفهامية الثانية في قوله : { مَا الحاقّة } . وأصل الكلام قبل التركيب بالاستفهام أن تقول : أدركْتُ الحاقّة أمراً عظيماً ، ثم صار أدْركني فلان الحاقّة أمراً عظيماً .

و{ ما } الأولى استفهامية مستعملة في التهويل والتعظيم على طريقة المجاز المرسل في الحرف ، لأن الأمر العظيم من شأنه أن يستفهم عنه فصار التعظيم والاستفهام متلازمين . ولك أن تجعل الاستفهام إنكارياً ، أي لا يدري أحد كنه هذا الأمر .

والمقصود من ذلك على كلا الاعتبارين هو التهويل .

هذا السؤال كما تقول : علمت هل يسافر فلان .

و { مَا } الثالثة علقت فعل { أدراك } عن العمل في مفعولين .

وكاف الخطاب فيه خطاب لغير معين فلذلك لا يقترن بضمير تثنية أو جمع أو تأنيث إذا خوطب به غير المفرد المذكر .

واستعمال { ما أدراك } غير استعمال { ما يدريك في قوله تعالى : { وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً } [ الأحزاب : 63 ] وقوله : { وما يدريك لعل الساعة قريب } في سورة الشورى ( 17 ) .

روي عن ابن عباس : كل شيء من القرآن من قوله : { ما أدراك } فقد أدرَاه وكل شيء من قوله : { وما يدريك } فقد طُوي عنه » . وقد روي هذا أيضاً عن سفيان بن عيينة وعن يحيى بين سلاّم فإن صح هذا المروي فإن مرادهم أن مفعول { ما أدراك } محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للتهويل وأن مفعول { ما يدريك } غير محقق الوقوع لأن الاستفهام فيه للإِنكار وهو في معنى نفي الدراية .

وقال الراغب : كل موضع ذُكر في القرآن { وما أدراك } فقد عقب ببيانه نحو { وما أدراك ماهيه نار حامية } [ القارعة : 10 11 ] ، { وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر } [ القدر : 2 3 ] ، { ثم ما أدراك ما يوم الدين يومَ لا تملك نفس لنفس شيئاً } [ الانفطار : 18 19 ] ، { وما أدراك ما الحاقّة كذبت ثمود وعاد بالقارعة } [ الحاقة : 3 4 ] ، وكأنه يريد تفسير ما نقل عن ابن عباس وغيره .

ولم أرَ من اللغويين من وفَّى هذا التركيب حقه من البيان وبعضهم لم يذكره أصلاً .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ} (3)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: {وما أدراك ما الحاقة} تعظيما لها لشدتها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وأيّ شيء أدراك وعرّفك أيّ شيء الحاقة.

عن سفيان قال: ما في القرآن «وما يدريك» فلم يخبره، وما كان «وما أرداك»، فقد أخبره.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

أي لم تكن تدري، فأدراك الله تعالى، لأنه لم يكن خبر القيامة في علمك ولا علم قومك، لكن الله تعالى أطلعك عليه لأن قومك كانوا منكري البعث، ولم يكن عندهم من خبره شيء.

وفي قوله: {وما أدراك ما الحاقة} مبالغة في التعجب، وإذا نظروا فيه، وفهموه، دعاهم ذلك إلى الإيمان به، فصارت الآية في موضع الإغراء واجتذاب الأسماع.. وإن كان الخطاب في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأويله أن المكذبين يؤذونه، ويمكرون به، فيتأذّى بهم، ويشتد ذلك عليه، فذكر ما ينزل بهم من العذاب، ويحق عليهم، فيكون فيه بعض التسلي عما أصابه من الأذى من ناحيتهم، أو ذكره، أن العذاب يحق عليهم، فلا يحزن بصنيعهم، بل يحمله ذلك على الشفقة عليهم والرحمة لهم.

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

يعني: أنك لا علم لك بكنهها ومدى عظمها، على أنه من العظم والشدة بحيث لا يبلغه دراية أحد ولا وهمه، وكيفما قدرت حالها فهي أعظم من ذلك.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يزيد هذا الاستهوال والاستعظام بالتجهيل، وإخراج المسألة عن حدود العلم والإدراك: (وما أدراك ما الحاقة؟).. ثم يسكت فلا يجيب على هذا السؤال. ويدعك واقفا أمام هذا الأمر المستهول المستعظم، الذي لا تدريه، ولا يتأتى لك أن تدريه! لأنه أعظم من أن يحيط به العلم والإدراك!

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

فهي الحقيقة التي لا مجال لإدراكها لما فيها من الأهوال العظيمة، والمشاهد الكبيرة، والأوضاع المتنوعة التي لم يشاهدها الناس من قبل، بحيث إن التصوّر لا يبلغ مداها. وهذا ما يريد الله للإنسان أن يعيشه في تهاويلها الحقيقية الكامنة في الغيب، ليدفعه ذلك إلى مواجهة الموقف الذي يطلّ عليها في ساحة العمل بكل جدّيةٍ ومسؤولية، في ما يقبل عليه من حسابها العسير أمام الله

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وكما لا يمكن أن يدرك الجنين الذي في بطن أمه المسائل المتعلّقة بالدنيا، فإنّ أبناء الدنيا كذلك ليس بمقدورهم إدراك الحوادث التي تكون في يوم القيامة.