( يغفر لكم ذنوبكم ) . . وهذه وحدها تكفي . فمن ذا الذي يضمن أن يغفر له ذنبه ثم يتطلع بعدها إلى شيء ? أو يدخر في سبيلها شيئا ? ولكن فضل الله ليست له حدود : ( ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ) . . وإنها لأربح تجارة أن يجاهد المؤمن في حياته القصيرة - حتى حين يفقد هذه الحياة كلها - ثم يعوض عنها تلك الجنات وهذه المساكن في نعيم مقيم . . وحقا . . ( ذلك الفوز العظيم ) . .
وكأنما ينتهي هنا حساب التجارة الرابحة . وإنه لربح ضخم هائل أن يعطي المؤمن الدنيا ويأخذ الآخرة . فالذي يتجر بالدرهم فيكسب عشرة يغبطه كل من في السوق . فكيف بمن يتجر في أيام قليلة معدودة في هذه الأرض ، ومتاع محدود في هذه الحياة الدنيا ، فيكسب به خلودا لا يعلم له نهاية إلا ما شاء الله ، ومتاعا غير مقطوع ولا ممنوع ?
لقد تمت المبايعة على هذه الصفقة بين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وعبدالله بن رواحة - رضي الله عنه - ليلة العقبة . قال لرسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] : " اشترط لربك ولنفسك ما شئت " . فقال[ صلى الله عليه وسلم ] : " أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم " . . قال : فما لنا إذا فعلنا ذلك ? قال : " الجنة " قالوا : " ربح البيع ولا نقيل ولا نستقيل " !
ولكن فضل الله عظيم . وهو يعلم من تلك النفوس أنها تتعلق بشيء قريب في هذه الأرض ، يناسب تركيبها البشري المحدود . وهو يستجيب لها فيبشرها بما قدره في علمه المكنون من إظهار هذا الدين في الأرض ، وتحقيق منهجه وهيمنته على الحياة في ذلك الجيل
{ يغفر لكم ذنوبكم } جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر أو لشرط أو استفهام دل عليه الكلام تقديره أن تؤمنوا وتجاهدوا أو هل تقبلون أن أدلكم يغفر لكم ويبعد جعله جوابا لهل أدلكم لأن مجرد دلالته لا توجب المغفرة ، { ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم } الإشارة إلى ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنة .
وانجزم قوله { يغفر } على الجواب للأمر المقدر في { تؤمنون } ، أو على ما يتضمنه قوله : { هل أدلكم } من الحض والأمر وإلى نحو هذا ذهب الفراء ، وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قرأ : «يغفلكم » بإدغام الراء في اللام ولا يجيز ذلك سيبويه وقوله تعالى : { ومساكن } عطف على { جنات } ، وطيب المساكن سعتها وجمالها ، وقيل طيبها المعرفة بدوام أمرها ، وهذا هو الصحيح ، وأي طيب مع الفناء والموت .
والمساكن الطيبة : هي القصور التي في الجنة ، قال تعالى : { ويجعل لك قصوراً } [ الفرقان : 10 ] .
وإنما خُصّت المساكن بالذكر هنا لأن في الجهاد مفارقة مساكنهم ، فوعدوا على تلك المفارقة الموقتة بمساكن أبدية . قال تعالى : { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم } إلى قوله : { ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله } [ التوبة : 24 ] الآية .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.