في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (55)

51

فينتهوا إلى الكفر بنعمة الله عليهم ، وبالهدى الذي آتاهم . . فلينظروا إذن ما يصيبهم بعد المتاع القصير : ( فتمتعوا فسوف تعلمون ) . .

هذا النموذج الذي يرسمه التعبير هنا ( ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ، ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشكرون ) . . نموذج متكرر في البشرية . ففي الضيق تتوجه القلوب إلى الله ، لأنها تشعر بالفطرة إلا عاصم لها سواه . وفي الفرج تتلهى بالنعمة والمتاع ، فتضعف صلتها بالله ، وتزيغ عنه ألوانا من الزيغ تبدو في الشرك به وتبدو كذلك في صور شتى من تأليه قيم وأوضاع ولو لم تدع باسم الإله ! .

ولقد يشتد انحراف الفطرة وفسادها ، فإذا بعضهم في ساعة العسرة لا يلجأ إلى الله ؛ ولكن يلجأ إلى بعض مخاليقه يدعوها للنصرة والإنقاذ والنجاة ، بحجة أنها ذات جاه أو منزلة عند الله ، أو بغير هذه الحجة في بعض الأحيان ، كالذين يدعون الأولياء لإنقاذهم من مرض أو شدة أو كرب . . فهؤلاء أشد انحرافا من مشركي الجاهلية الذين يرسم لهم القرآن ذلك النموذج الذي رأيناه !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (55)

{ ليكفروا بما آتيناهم } من نعمة الكشف عنهم ، كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة ، أو إنكار كونها من الله تعالى . { فتمتّعوا } أمر تهديد . { فسوف تعلمون } أغلظ وعيده ، وقرئ " فيمتعوا " مبنيا للمفعول عطفا على { ليكفروا } ، وعلى هذا جاز أن تكون اللام لام الأمر الوارد للتهديد ، والفاء للجواب .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (55)

وقوله : { ليكفروا } ، يجوز أن يكون اللام لام الصيرورة ، أي : فصار أمرهم ليكفروا ، وهم لم يقصدوا بأفعالهم تلك أن يكفروا ، ويجوز أن تكون لام أمر على معنى التهديد والوعيد ، كقوله : { اعملوا ما شئتم }{[7342]} [ فصلت : 40 ] . والكفر هنا يحتمل أن يكون كفر الجحد بالله والشرك ، ويؤيده قوله : { بربهم يشركون } ، ويحتمل أن يكون كفر النعمة وهو الأظهر ، لقوله : { بما آتيناهم } ، أي : بما أنعمنا عليهم ، وقرأ الجمهور { فتمتعوا فسوف تعلمون } ، على معنى قل لهم يا محمد ، وروى أبو رافع عن النبي عليه السلام : «فيُمتعوا » ، بياء من تحت مضمومة . «فسوف يعلمون » ، على معنى ذكر الغائب ، وكذلك في الروم{[7343]} ، وهي قراءة أبي العالية ، وقرأ الحسن : «فتمتعوا » ، على الأمر . «فسوف يعلمون » بالياء على ذكر الغائب ، وعلى ما روى أبو رافع يكون «يمتعوا » ، في موضع نصب عطفاً على «يكفروا » ، إن كانت اللام لام كي ، أو نصباً بالفاء في جواب الأمر ، إن كانت اللام لام أمر ، ومعنى التمتع في هذه الآية بالحياة الدنيا التي مصيرها إلى الفناء والزوال .


[7342]:من الآية (40) من سورة (فصلت).
[7343]:في قوله تعالى في الآية (34): {ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}.