اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (55)

قوله : { لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ } في هذه اللام ثلاثة أوجهٍ :

أحدها : أن تكون لام كي ، وهي متعلقة ب " يُشْرِكُونَ " ، أي : أن إشراكهم سببه كفرهم به .

الثاني : أنَّها لام الصَّيرورةِ ، أي : صار أمرهم إلى ذلك .

الثالث : أنَّها لام الأمر ، وإليه نحا الزمخشريُّ .

وقرأ{[19891]} أبو العالية ، ورواها مكحول عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فيُمْتَعُوا " بضمِّ الياءِ من تحت ، ساكن الميم ، مفتوح الياء مضارع " مُتِعَ " مبنيًّا للمفعول ، " فسَوْفَ يَعْلمُونَ " بالياء من تحت أيضاً ، وهذا المضارع في هذه القراءة ، يجوز أن يكون حذف منه النون فيه ؛ إما للنصب ، عطفاً على " لِيَكْفُروا " وإن كانت لام " كي " ، أو للصيرورة ، وإما لنصب أيضاً ، ولكن على جواب الأمر إن كانت اللام للأمر ، ويجوز أن يكون حذفها للجزم ؛ عطفاً على " لِيَكْفرُوا " وإن كانت للأمر أيضاً .

فصل

قال بعض المفسرين : هذه لام العاقبة ؛ كقوله تعالى : { فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [ القصص : 8 ] يعني : أنَّ عاقبته تلك التضرعات ، ما كانت إلا هذا الكفر .

والمراد بقوله : " بِمَا ءَاتَيْناهُمْ " كشف الضرِّ ، وإزالة المكروه ، وقيل : المراد به القرآن وما جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلم من النبوة والشرائع .

ثمَّ توعَّدهم فقال : " فتَمتَّعُوا " ، [ والمراد منه التهديد ]{[19892]} ؛ كقوله { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } [ الكهف : 29 ] وقوله : { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } أمركم ، وما ينزل بكم من العذاب .


[19891]:ينظر: المحتسب 2/11، والشواذ 73، والبحر 5/487.
[19892]:في أ: وهو تهديد.