مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{لِيَكۡفُرُواْ بِمَآ ءَاتَيۡنَٰهُمۡۚ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوۡفَ تَعۡلَمُونَ} (55)

ثم قال تعالى : { ليكفروا بما آتيناهم } وفي هذه اللام وجهان : الأول : أنها لام كي والمعنى أنهم أشركوا بالله غيره في كشف ذلك الضر عنهم . وغرضهم من ذلك الإشراك أن ينكروا كون ذلك الإنعام من الله تعالى ، ألا نرى أن العليل إذا اشتد وجعه تضرع إلى الله تعالى في إزالة ذلك الوجع ، فإذا زال أحال زواله على الدواء الفلاني والعلاج الفلاني ، وهذا أكثر أحوال الخلق . وقال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله : في اليوم الذي كنت أكتب هذه الأوراق وهو اليوم الأول من محرم سنة اثنتين وستمائة حصلت زلزلة شديدة ، وهذه عظيمة وقت الصبح ورأيت الناس يصيحون بالدعاء والتضرع ، فلما سكتت وطاب الهواء ، وحسن أنواع الوقت نسوا في الحال تلك الزلزلة وعادوا إلى ما كانوا عليه من تلك السفاهة والجهالة ، وكانت هذه الحالة التي شرحها الله تعالى في هذه الآية تجري مجرى الصفة اللازمة لجوهر نفس الإنسان .

والقول الثاني : أن هذه اللام لام العاقبة كقوله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا } يعني أن عاقبة تلك التضرعات ما كانت إلا هذا الكفر .

واعلم أن المراد بقوله : { بما آتيناهم } فيه قولان : الأول : أنه عبارة عن كشف الضر وإزالة المكروه . والثاني : قال بعضهم : المراد به القرآن وما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من النبوة والشرائع .

واعلم أنه تعالى توعدهم بعد ذلك فقال : { فتمتعوا } وهذا لفظ أمر ، والمراد منه التهديد ، كقوله : { فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر } وقوله : { قل آمنوا به أو لا تؤمنوا } .

ثم قال تعالى : { فسوف تعلمون } أي عاقبة أمركم وما ينزل بكم من العذاب والله أعلم .