في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (69)

65

ثم يكشف للجماعة المسلمة عما يريده بها أهل الكتاب من وراء كل جدال وكل مراء . ويواجه أهل الكتاب بألاعيبهم وكيدهم وتدبيرهم على مرأى ومسمع من الجماعة المسلمة أيضا . وهو يمزق عنهم الأردية التي يتخفون تحتها ، فيقفهم أمام الجماعة المسلمة عراة مفضوحين :

( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم . وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون . يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون ؟ يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون ؟ وقالت طائفة من أهل الكتاب : آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون . ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم - قل : إن الهدى هدى الله - أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم - قل : إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ، والله واسع عليم . يختص برحمته من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم ) .

إن الإحنة التي يكنها أهل الكتاب للجماعة المسلمة هي الإحنة المتعلقة بالعقيدة . إنهم يكرهون لهذه الأمة أن تهتدي . يكرهون لها أن تفيء إلى عقيدتها الخاصة في قوة وثقة ويقين . ومن ثم يرصدون جهودهم كلها لإضلالها عن هذا المنهج ، والإلواء بها عن هذا الطريق :

( ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم ) . .

فهو ود النفس ورغبة القلب والشهوة التي تهفو إليها الأهواء من وراء كل كيد ، وكل دس ، وكل مراء ، وكل جدال ، وكل تلبيس .

وهذه الرغبة القائمة على الهوى والحقد والشر ، ضلال لا شك فيه . فما تنبعث مثل هذه الرغبة الشريرة الآثمة عن خير ولا عن هدى . فهم يوقعون أنفسهم في الضلالة في اللحظة التي يودون فيها إضلال المسلمين . فما يحب إضلال المهتدين إلا ضال يهيم في الضلال البهيم :

( وما يضلون إلا أنفسهم . وما يشعرون ) . .

والمسلمون مكفيون أمر أعدائهم هؤلاء ما استقاموا على إسلامهم وما لهم عليهم من سبيل . والله سبحانه يتعهد لهم ألا يصيبهم كيد الكائدين ، وأن يرتد عليهم كيدهم ما بقي المسلمون مسلمين .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (69)

{ ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم } نزلت في اليهود لما دعوا حذيفة وعمارا ومعاذا إلى اليهودية و{ لو } بمعنى أن . { وما يضلون إلا أنفسهم } وما يتخطاهم الإضلال ولا يعود وباله إلا عليهم إذ يضاعف به عذابهم ، أو ما يضلون إلا أمثالهم . { وما يشعرون } وزره واختصاص ضرره بهم .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَدَّت طَّآئِفَةٞ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَوۡ يُضِلُّونَكُمۡ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ} (69)

أخبر الله تعالى عن طائفة أنها تود وتشتهي أن تضل المسلمين ، أي تتلفهم عن دينهم وتجعلهم في ضلال ثم فسر الطائفة بقوله : { من أهل الكتاب } فتحتمل { من } أن تكون للتبعيض ، وتكون الطائفة الرؤساء والأحبار الذين يسكن الناس إلى قولهم ، ويحتمل أن تكون لبيان الجنس وتكون الطائفة جميع أهل الكتاب ، وقال الطبري : { يضلونكم } معناه يهلكونكم ، واستشهد ببيت جرير{[3236]} .

كنْتَ القَذَى في موج أَخْضَرَ مُزْبدٍ . . . قذف الأتيُّ بِهِ فَضَلَّ ضلالا

وقول النابغة{[3237]} : [ الطويل ]

فآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ . . . وهذا تفسير غير خاص باللفظة وإنما اطرد له هذا الضلال في الآية وفي البيتين اقترن به هلاك ، وأما أن تفسر لفظة الضلال بالهلاك فغير قويم{[3238]} ، قوله تعالى : { وما يضلون إلا أنفسهم } إعلام بأن سوء فعلهم عائد عليهم ، وأنهم ببعدهم عن الإسلام هم الضالون ، ثم أعلم أنهم لا يشعرون لذلك ، أي لا يتفطنون ، مأخوذ من الشعار المأخوذ من الشعر ، وقيل المعنى لا يشعرون أنهم لا يصلون إلى إضلالكم .


[3236]:- البيت للأخطل يهجو به جريرا. والقذى: ما يعلو الماء من الزبد والغثاء، والأتي: السيل يأتي من بلد بعيد. وقد وردت رواية أخرى للبيت وهي: كنت القذى في موج أكدر مزبد ... (البيت).
[3237]:- البيت للنابغة الذبياني يرثي النعمان بن الحارث بن أبي شمر الغساني، وتمامه: .................... وغودر بالجولان حزم ونائل. والأصح "مصلوه" بالصاد المهملة.
[3238]:- ذكر أبو حيان في البحر المحيط أن غير ابن عطية قال: "أضل الضلال في اللغة: الهلاك من قولهم: ضل اللبن في الماء إذا صار مستهلكا فيه- وقيل. معناه: يوقعونكم في الضلال، ويلقون إليكم ما يشككونكم به في دينكم. قال أبو علي".