في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

وهنا يسفر الطغيان عن وجهه . لا يجادل ولا يناقش ولايفكر ولا يتعقل ، لأنه يحس بهزيمته أمام انتصار العقيدة ، فيسفر بالقوة المادية الغليظة التي لا يملك غيرها المتجبرون :

( وقال الذين كفروا لرسلهم : لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ) !

هنا تتجلى حقيقة المعركة وطبيعتها بين الإسلام والجاهلية . . إن الجاهلية لا ترضى من الإسلام أن يكون له كيان مستقل عنها . ولا تطيق أن يكون له وجود خارج عن وجودها . وهي لا تسالم الإسلام حتى لو سالمها . فالإسلام لا بد أن يبدو في صورة تجمع حركي مستقل بقيادة مستقلة وولاء مستقل ، وهذا ما لا تطيقه الجاهلية . لذلك لا يطلب الذين كفروا من رسلهم مجرد أن يكفوا عن دعوتهم ؛ ولكن يطلبون منهم أن يعودوا في ملتهم ، وأن يندمجوا في تجمعهم الجاهلي ، وأن يذوبوا في مجتمعهم فلا يبقى لهم كيان مستقل . وهذا ما تأباه طبيعة هذا الدين لأهله ، وما يرفضه الرسل من ثم ويأبونه ، فما ينبغي لمسلم أن يندمج في التجمع الجاهلي مرة أخرى . .

وعندما تسفر القوة الغاشمة عن وجهها الصلد لا يبقى مجال لدعوة ، ولا يبقى مجال لحجة ؛ ولا يسلم الله الرسل إلى الجاهلية . .

إن التجمع الجاهلي - بطبيعة تركيبه العضوي - لا يسمح لعنصر مسلم أن يعمل من داخله ، إلا أن يكون عمل المسلم وجهده وطاقته لحساب التجمع الجاهلي ، ولتوطيد جاهليته ! والذين يخيل إليهم أنهم قادرون على العمل لدينهم من خلال التسرب في المجتمع الجاهلي ، والتميع في تشكيلاته وأجهزته هم ناس لا يدركون الطبيعة العضوية للمجتمع . هذه الطبيعة التي ترغم كل فرد داخل المجتمع أن يعمل لحساب هذا المجتمع ولحساب منهجه وتصوره . . لذلك يرفض الرسل الكرام أن يعودوا في ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها . .

وهنا تتدخل القوة الكبرى فتضرب ضربتها المدمرة القاضية التي لا تقف لها قوة البشر المهازيل ، وإن كانوا طغاة متجبرين :

( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين . ولنسكننكم الأرض من بعدهم . ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) .

ولا بد أن ندرك أن تدخل القوة الكبرى للفصل بين الرسل وقومهم إنما يكون دائما بعد مفاصلة الرسل لقومهم . . بعد أن يرفض المسلمون أن يعودوا إلى ملة قومهم بعد إذ نجاهم الله منها . . وبعد أن يصروا على تميزهم بدينهم وبتجمعهم الإسلامي الخاص بقيادته الخاصة . وبعد أن يفاصلوا قومهم على أساس العقيدة فينقسم القوم الواحد إلى أمتين مختلفتين عقيدة ومنهجا وقيادة وتجمعا . . عندئذ تتدخل القوة الكبرى لتضرب ضربتها الفاصلة ، ولتدمر على الطواغيت الذين يتهددون المؤمنين ، ولتمكن للمؤمنين في الأرض ، ولتحقق وعد الله لرسله بالنصر والتمكين . . . ولا يكون هذا التدخل أبدا والمسلمون متميعون في المجتمع الجاهلي ، عاملون من خلال أوضاعه وتشكيلاته ، غير منفصلين عنه ولا متميزين بتجمع حركي مستقل وقيادة إسلامية مستقلة . .

( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ) . .

نون العظمة ونون التوكيد . . كلتاهما ذات ظل وإيقاع في هذا الموقف الشديد . لنهلكن المتجبرين المهددين ، المشركين الظالمين لأنفسهم وللحق وللرسل وللناس بهذا التهديد . .

/خ27

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمۡ لَنُخۡرِجَنَّكُم مِّنۡ أَرۡضِنَآ أَوۡ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَاۖ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ رَبُّهُمۡ لَنُهۡلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (13)

{ وقال الذين كفروا لرسلهم لنُخرجنّكم من أرضنا أو لتعودنّ في ملّتنا } حلفوا على أن يكون أحد الأمرين ، إما إخراجهم للرسل أو عودهم إلى ملتهم ، وهو بمعنى الصيرورة لأنهم لم يكونوا على ملتهم قط ، ويجوز أن يكون الخطاب لكل رسول ومن آمن معه فغلبوا الجماعة على الواحد . { فأوحى إليهم ربهم } أي إلى رسلهم . { لنهلكنّ الظالمين } على إضمار القول ، أو إجراء الإيحاء مجراه لأنه نوع منه .