في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

والعجيب - كان - في أمر القوم أنهم كانوا يعترفون بوجود الله ، وخلقه للسماوات والأرض . ثم لا يرتبون على هذا الاعتراف نتائجه الطبيعية من توحيد الله ، وإخلاص التوجه إليه فكانوا يجعلون له شركاء ، يخصونهم ببعض ما خلق من الأنعام ؛ كما كانوا يزعمون أن الملائكة بناته ، ويعبدونهم من دونه في صورة أصنام !

والقرآن يعرض اعترافهم ، ويرتب عليه نتائجه ، ويوجههم إلى منطق الفطرة الذي يجانبونه ، وإلى السلوك الواجب تجاه نعمته عليهم فيما خلق لهم من الفلك والأنعام . ثم يناقشهم بمنطقهم في دعواهم عن الملائكة :

( ولئن سألتهم : من خلق السماوات والأرض ? ليقولن : خلقهن العزيز العليم . الذي جعل لكم الأرض مهداً ، وجعل لكم فيها سبلاً لعلكم تهتدون . والذي نزل من السماء ماء بقدر ، فأنشرنا به بلدة ميتا ، كذلك تخرجون . والذي خلق الأزواج كلها ، وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون . لتستووا على ظهوره ، ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه ، وتقولوا : سبحان الذي سخر لنا هذا ، وما كنا له مقرنين ؛ وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) . .

لقد كانت للعرب عقيدة - نظن أنها بقايا من الحنيفية الأولى ملة إبراهيم عليه السلام ، ولكنها بهتت وانحرفت ودخلت فيها الأساطير - وقد بقي منها ما لا تملك الفطرة إنكاره من وجود خالق لهذا الكون ، وأنه هو الله ، فما يمكن - في منطق الفطرة وبداهتها - أن يكون هذا الكون قد نشأ هكذا من غير خالق ؛ وما يمكن أن يخلق هذا الكون إلا الله . ولكنهم كانوا يقفون بهذه الحقيقة التي تنطق بها بداهة الفطرة عند شكلها الظاهر ، ولا يعترفون بما وراءها من مقتضيات طبيعية لها :

( ولئن سألتهم : من خلق السماوات والأرض ? ليقولن : خلقهن العزيز العليم . . . ) . .

وواضح أن هاتين الصفتين : ( العزيز العليم )ليستا من قولهم . فهم كانوا يعترفون بأن الذي خلقهن هو( الله ) . . ولكنهم لم يكونوا يعرفون الله بصفاته التي جاء بها الإسلام . هذه الصفات الإيجابية التي تجعل لذات الله في نفوسهم أثراً فعالاً في حياتهم وحياة هذا الكون . كانوا يعرفون الله خالقا لهذا الكون ، وخالقاً لهم كذلك . ولكنهم كانوا يتخذون من دونه شركاء . لأنهم لم يعرفوه بصفاته التي تنفي فكرة الشرك ، وتجعلها تبدو متهافتة سخيفة . .

والقرآن هنا يعلمهم أن الله ، الذي يعترفون بأنه خالق السماوات والأرض ، هو ( العزيز العليم ) . . فهو القوي القادر ، وهو العليم العارف . فيبدأ بهم من اعترافهم ، ويخطو بهم الخطوات التالية لهذا الاعتراف .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

شرح الكلمات :

{ ولئن سألتهم } : أي ولئن سألت هؤلاء المشركين من قومك يا رسولنا .

{ من خلق السماوات والأرض } : أي من بدأ خلقهنّ وأوجدهن ليقولن خلقهن الله ذو العزة والعلم .

المعنى :

ما زال السياق الكريم في دعوة المشركين إلى التوحيد بقوله تعالى : { ولئن سألتهم } أي ولئن سألت يا رسولنا هؤلاء المشركين من قومك قائلاً من خلق السماوات والأرض أي من أنشأهن وأوجدهن بعد عدم لبادروك بالجواب قائلين الله ثم هم مع اعترافهم بربوبيته تعالى لكل شيء يشركون في عبادته أصناماً وأوثاناً . في آيات أخرى صرحوا باسم الجلالة الله وفي هذه الآية قالوا : العزيز العليم أي الله ذو العزة التي لا ترام والعلم الذي لا يحاط به .

الهداية :

من الهداية :

- تقرير التوحيد بذكر صفات الربوبية المقتضية للألوهية .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

قوله تعالى : " ولئن سألتهم " يعني المشركين . " من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم " فأقروا له بالخلق والإيجاد ، ثم عبدوا معه غيره جهلا منهم . وقد مضى في غير موضع{[13585]} .


[13585]:راجع ج 6 ص 384 وما بعدها.