نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

ولما كان التقدير : فلئن سألتهم عمن سمعوا بخبره ممن ذكرناهم من الأولين ليعترفن بما سمعوا من خبرهم لأنا لم نجعل لهم على المباهتة فيه جرأة لما طبعناهم عليه في أغلب أحوالهم من الصدق ، عطف عليه قولهم مبيناً لجهلهم بوقوعهم في التناقض مؤكداً له لما في اعترافهم به من العجب المنافي لحالهم : { ولئن سألتهم } أيضاً عما هو أكبر من ذلك وأدل على القدرة ، وجميع صفات الكمال فقلت لهم : { من خلق السماوات } على علوها وسعتها { والأرض } على كثرة عجائبها وعظمتها { ليقولن } أي من غير توقف .

ولما كان السؤال عن المبتدأ ، كان الجواب المطابق ذكر الخبر ، فكان الجواب هنا : الله - كما في غيره من الآيات ، لكنه عدل عنه إلى المطابقة المعنوية لافتاً القول عن مظهر العظمة إلى ما يفيد من الأوصاف القدرة على كل شيء ، وأنه تعالى يغلب كل شيء ، ولا يغلبه شيء مكرراً للفعل تأكيداً لاعترافهم زيادة في توبيخهم وتنبيهاً على عظيم غلطهم ، فقال معبراً بما هو لازم لاعترافهم له سبحانه بالتفرد بالإيجاد لأنه أنسب الأشياء لمقصود السورة وللإبانة التي هي مطلعها . { خلقهن } الذي هو موصوف بأنه { العزيز العليم * } أي الذي يلزم المعترف بإسناد هذا الخلق إليه أن يعترف بأنه يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء وأن علمه محيط بكل شيء ، فيقدر على إيجاده على وجه من البداعة ثم على أكمل منه ثم أبهج منه وهلم جرا إلى ما لا نهاية له - هذا هو الأليق بكمال ذاته وجليل صفاته ، ونعوذ بالله من عمى المعتزلة والفلاسفة أصحاب الأذهان الجامدة والعقول الكاسدة والعرب لجهلهم يعبدون مع اعترافهم بهذا غيره ، وذلك الغير لا قدرة له على شيء أصلاً ، ولا علم له بشيء أصلاً ، فقد كسر هذا السؤال بجوابه حجتهم ، وبان به غلطهم وفضيحتهم ، حتى بان لأولي الألباب أنهم معاندون .