في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (19)

15

وبعد بيان العاقبة والجزاء إجمالا للمهتدين والضالين ، يصور دقة الحساب والتقدير لكل فرد من هؤلاء وهؤلاء على حدة :

( ولكل درجات مما عملوا ، وليوفيهم أعمالهم ، وهم لا يظلمون ) . .

فلكل فرد درجته ، ولكل فرد عمله ، في حدود ذلك الإجمال في جزاء كل فريق .

وبعد ، فهذان النموذجان عامان في الناس ، ولكن مجيئهما في هذا الأسلوب ، الذي يكاد يحدد شخصين بذواتهما أوقع وأشد إحياء للمثل كأنه واقع .

ولقد وردت روايات أن كلا منهما يعني إنسانا بعينه . ولكن لم يصح شيء من هذه الروايات . والأولى اعتبارهما واردين مورد المثل والنموذج . يدل على هذا الاعتبار صيغة التعقيب على كل نموذج . فالتعقيب على الأول : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة . وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ) . . والتعقيب على الثاني : ( أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ، إنهم كانوا خاسرين ) . . ثم التعقيب العام : ( ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم ، وهم لا يظلمون ) . . وكلها توحي بأن المقصود هو النموذج المكرر من هؤلاء وهؤلاء .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (19)

شرح الكلمات

{ ولكل درجات مما عملوا } : أي ولكل من المؤمنين البارين ، والكافرين الفاجرين درجات مما عملوا درجات المؤمنين في الجنة ودرجات الكفار في النار .

المعنى :

وقوله تعالى { ولكل درجات مما عملوا } أي ولكل من المؤمنين البارين والكافرين العاقين درجات مما عملوا من خير أو شر إلا أن درجات المؤمنين في الجنة تذهب في عُلو متزايد ودرجات الكافرين في النار تذهب في سفل متزايد إلى أسفل سافلين وقوله تعالى { وليوفيهم أعمالهم } كاملة غير منقوصة الحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها وهم لا يظلمون بنقص حسنة ولا بزيادة سيئة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (19)

{ وَلِكُلٍّ } من أهل الخير وأهل الشر { دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا } أي : كل على حسب مرتبته من الخير والشر ومنازلهم في الدار الآخرة على قدر أعمالهم ولهذا قال : { وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } بأن لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (19)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله:"وَلِكُلَ دَرَجاتٌ مِمّا عَمِلُوا" يقول تعالى ذكره: ولكلّ هؤلاء الفريقين: فريق الإيمان بالله واليوم الآخر، والبرّ بالوالدين، وفريق الكفر بالله واليوم الآخر، وعقوق الوالدين اللذين وصف صفتهم ربنا عزّ وجلّ في هذه الآيات منازل ومراتب عند الله يوم القيامة، مما عملوا، يعني من عملهم الذي عملوه في الدنيا من صالح وحسن وسيئ يجازيهم الله به..

"وَلِيُوَفّيَهُمْ أعمالَهُمْ "يقول جلّ ثناؤه: وليعطي جميعهم أجور أعمالهم التي عملوها في الدنيا، المحسن منهم بإحسانه ما وعد الله من الكرامة، والمسيء منهم بإساءته ما أعدّه من الجزاء.

"وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ" يقول: وجميعهم لا يظلمون: لا يجازي المسيء منهم إلا عقوبة على ذنبه، لا على ما لم يعمل، ولا يحمل عليه ذنب غيره، ولا يبخس المحسن منهم ثوابَ إحسانه.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

{ولكل درجات مما عملوا} وفيه قولان؛

الأول: أن الله تعالى ذكر الولد البار، ثم أردفه بذكر الولد العاق، فقوله {ولكل درجات مما عملوا} خاص بالمؤمنين، وذلك لأن المؤمن البار بوالديه له درجات متفاوتة، ومراتب مختلفة في هذا الباب.

والقول الثاني: أن قوله {لكل درجات مما عملوا} عائد إلى الفريقين، والمعنى ولكل واحد من الفريقين درجات في الإيمان والكفر والطاعة والمعصية، فإن قالوا كيف يجوز ذكر لفظ الدرجات في أهل النار، وقد جاء في الأثر الجنة الدرجات، والنار دركات؟ قلنا فيه وجوه:

(الأول) يجوز أن يقال ذلك على جهة التغليب.

(الثاني) قال ابن زيد: درج أهل الجنة يذهب علوا، ودرج أهل النار ينزل هبوطا.

(الثالث) أن المراد بالدرجات المراتب المتزايدة، إلا أن زيادات أهل الجنة في الخيرات والطاعات، وزيادات أهل النار في المعاصي والسيئات...

ثم قال تعالى: {وليوفيهم} قدر جزاءهم على مقادير أعمالهم فجعل الثواب درجات والعقاب دركات، ولما بين الله تعالى أنه يوصل حق كل أحد إليه بين أحوال أهل العقاب أولا، فقال: {ويوم يعرض الذين كفروا على النار}.

الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :

" وهم لا يظلمون "أي لا يزاد على مسيء ولا ينقص من محسن...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{ولكل} أي من فريقي السعداء والبعداء من القبيلتين: الجن والإنس، في الدنيا والآخرة {درجات} أي دركات أي منازل ومراتب متفاضلين فيها {من} أجل {ما عملوا} أو من جوهره ونوعه من الأعمال الصالحة والطالحة...

.

{وليوفيهم} أي ربهم الذي تقدم إقبال المحسن عليه ودعاؤه له...

{أعمالهم} أي جزاءها من خير وشر وجنة ونار -وهذا ظاهر، أو نص في أن الجن يثابون بالإحسان كما يعاقبون بالعصيان، وسورة الرحمن كلها خطاب للثقلين بالثواب لأهل الطاعة، والعقاب لأهل المعصية من كل من القبيلتين...

{وهم} أي والحال أنهم {لا يظلمون} أي لا يتجدد لهم شيء من ظالم ما من ظلم في جزاء أعمالهم بزيادة في عقاب أو نقص من ثواب، بل الرحمانية كما كانت لهم في الدنيا فهي لهم في الآخرة فلا يظلم ربك أحداً بأن يعذبه فوق ما يستحقه من العقاب، أو ينقصه عما يستأهل من الثواب.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

(ولكل درجات مما عملوا، وليوفيهم أعمالهم، وهم لا يظلمون).. فلكل فرد درجته، ولكل فرد عمله، في حدود ذلك الإجمال في جزاء كل فريق. وبعد، فهذان النموذجان عامان في الناس...

والأولى اعتبارهما واردين مورد المثل والنموذج. يدل على هذا الاعتبار صيغة التعقيب على كل نموذج. فالتعقيب على الأول: (أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة. وعد الصدق الذي كانوا يوعدون).. والتعقيب على الثاني: (أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس، إنهم كانوا خاسرين).. ثم التعقيب العام: (ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم، وهم لا يظلمون).. وكلها توحي بأن المقصود هو النموذج المكرر من هؤلاء وهؤلاء.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وجملة {وهم لا يظلمون} احتراس منظور فيه إلى توفية أحد الفريقين وهو الفريق المستحق للعقوبة لئلا يُحسب أن التوفية بالنسبة إليهم أن يكون الجزاء أشد مما تقتضيه أعمالهم.

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (19)

ولما قسمهم في الأعمال ، جمعهم في العدل والإفضال فقال : { ولكل } أي{[58868]} من فريقي السعداء والبعداء من القبيلتين : الجن والإنس ، في الدنيا والآخرة { درجات } أي دركات أي منازل ومراتب متفاضلين فيها { من } أجل { ما عملوا } أو من جوهره ونوعه من الأعمال الصالحة والطالحة . ولما كان التقدير : ليظهر ظهوراً بيناً أنه سبحانه فاعل بالاختيار بالمفاوته{[58869]} بين العقلاء {[58870]}ويظهر{[58871]} بيناً {[58872]}لا وقفة فيه{[58873]} أن الحقائق على غير ما كان{[58874]} يتراءى لهم في الدنيا ، فإن حجب المكاره والشهوات كانت ترى الأمور على خلاف ما هي عليه ، عطف عليه قوله في قراءة البصريين وعاصم وهشام عن ابن عامر{[58875]} بخلاف عنه : { وليوفيهم } أي ربهم الذي تقدم إقبال المحسن عليه{[58876]} ودعاؤه له ، وقراءة الباقين بالنون أنسب لمطلع السورة ولما يشير إليه من كشف حجب{[58877]} الكبرياء في يوم الفصل .

ولما كان سبحانه يعلم مثاقيل الذر وما دونها وما فوقها ويجعل{[58878]} الجزاء على حسبها في المقدار والشبه والجنس والنوع والشخص حتى يكاد يظن العامل أن الجزاء هو العمل قال : { أعمالهم } أي جزاءها من خير وشر وجنة ونار - وهذا ظاهر ، أو نص في أن الجن يثابون بالإحسان كما يعاقبون بالعصيان ، وسورة الرحمن كلها خطاب للثقلين بالثواب لأهل الطاعة ، والعقاب لأهل المعصية من كل من القبيلتين ؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه ، ويجزى مطيعهم بالثواب كما يجازى عاصيهم بالعقاب - قاله مالك وابن أبي ليلى والضحاك وغيرهم كما نقله البغوي{[58879]} { وهم } أي والحال أنهم { لا يظلمون * } أي لا يتجدد لهم شىء من ظالم ما من ظلم في جزاء أعمالهم بزيادة{[58880]} في عقاب أو نقص من ثواب ، بل الرحمانية كما كانت لهم في الدنيا فهي {[58881]}لهم في الآخرة{[58882]} فلا يظلم ربك أحداً بأن يعذبه فوق ما يستحقه من العقاب ، أو ينقصه عما يستأهل من الثواب .


[58868]:زيد في الأصل:الفريقين وهم، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58869]:من م ومد وفي الأصل و ظ: بالمعاونة.
[58870]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: ليظهر.
[58871]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: ليظهر.
[58872]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: رفعة.
[58873]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: رفعة.
[58874]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:كا-كذا.
[58875]:راجع نثر المرجان6/549.
[58876]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:إليه.
[58877]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حجبه.
[58878]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يعلم.
[58879]:لم نفز به في المعالم.
[58880]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: زيادة.
[58881]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الآخرة لهم.
[58882]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الآخرة لهم.