نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلِكُلّٖ دَرَجَٰتٞ مِّمَّا عَمِلُواْۖ وَلِيُوَفِّيَهُمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (19)

ولما قسمهم في الأعمال ، جمعهم في العدل والإفضال فقال : { ولكل } أي{[58868]} من فريقي السعداء والبعداء من القبيلتين : الجن والإنس ، في الدنيا والآخرة { درجات } أي دركات أي منازل ومراتب متفاضلين فيها { من } أجل { ما عملوا } أو من جوهره ونوعه من الأعمال الصالحة والطالحة . ولما كان التقدير : ليظهر ظهوراً بيناً أنه سبحانه فاعل بالاختيار بالمفاوته{[58869]} بين العقلاء {[58870]}ويظهر{[58871]} بيناً {[58872]}لا وقفة فيه{[58873]} أن الحقائق على غير ما كان{[58874]} يتراءى لهم في الدنيا ، فإن حجب المكاره والشهوات كانت ترى الأمور على خلاف ما هي عليه ، عطف عليه قوله في قراءة البصريين وعاصم وهشام عن ابن عامر{[58875]} بخلاف عنه : { وليوفيهم } أي ربهم الذي تقدم إقبال المحسن عليه{[58876]} ودعاؤه له ، وقراءة الباقين بالنون أنسب لمطلع السورة ولما يشير إليه من كشف حجب{[58877]} الكبرياء في يوم الفصل .

ولما كان سبحانه يعلم مثاقيل الذر وما دونها وما فوقها ويجعل{[58878]} الجزاء على حسبها في المقدار والشبه والجنس والنوع والشخص حتى يكاد يظن العامل أن الجزاء هو العمل قال : { أعمالهم } أي جزاءها من خير وشر وجنة ونار - وهذا ظاهر ، أو نص في أن الجن يثابون بالإحسان كما يعاقبون بالعصيان ، وسورة الرحمن كلها خطاب للثقلين بالثواب لأهل الطاعة ، والعقاب لأهل المعصية من كل من القبيلتين ؛ كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه ، ويجزى مطيعهم بالثواب كما يجازى عاصيهم بالعقاب - قاله مالك وابن أبي ليلى والضحاك وغيرهم كما نقله البغوي{[58879]} { وهم } أي والحال أنهم { لا يظلمون * } أي لا يتجدد لهم شىء من ظالم ما من ظلم في جزاء أعمالهم بزيادة{[58880]} في عقاب أو نقص من ثواب ، بل الرحمانية كما كانت لهم في الدنيا فهي {[58881]}لهم في الآخرة{[58882]} فلا يظلم ربك أحداً بأن يعذبه فوق ما يستحقه من العقاب ، أو ينقصه عما يستأهل من الثواب .


[58868]:زيد في الأصل:الفريقين وهم، ولم تكن الزيادة في ظ و م ومد فحذفناها.
[58869]:من م ومد وفي الأصل و ظ: بالمعاونة.
[58870]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: ليظهر.
[58871]:من ظ ومد، وفي الأصل و م: ليظهر.
[58872]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: رفعة.
[58873]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: رفعة.
[58874]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:كا-كذا.
[58875]:راجع نثر المرجان6/549.
[58876]:من ظ و م ومد، وفي الأصل:إليه.
[58877]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: حجبه.
[58878]:من م ومد، وفي الأصل و ظ: يعلم.
[58879]:لم نفز به في المعالم.
[58880]:من مد، وفي الأصل و ظ و م: زيادة.
[58881]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الآخرة لهم.
[58882]:من ظ و م ومد، وفي الأصل: في الآخرة لهم.