في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (20)

تلك كانت الاستجابة من القلوب المغلقة على دعوة الرسل . وهي مثل للقلوب التي تحدثت عنها السورة في الجولة الأولى ؛ وصورة واقعية لذلك النموذج البشري المرسوم هناك .

فأما النموذج الآخر الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ، فكان له مسلك آخر وكانت له استجابة غير هذه الاستجابة :

وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ؛ قال : يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون . ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ? أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون ? إني إذاً لفي ضلال مبين . إني آمنت بربكم فاسمعون . .

إنها استجابة الفطرة السليمة لدعوة الحق المستقيمة . فيها الصدق . والبساطة . والحرارة . واستقامة الإدراك . وتلبية الإيقاع القوي للحق المبين .

فهذا رجل سمع الدعوة فاستجاب لها بعد ما رأى فيها من دلائل الحق والمنطق ما يتحدث عنه في مقالته لقومه . وحينما استشعر قلبه حقيقة الإيمان تحركت هذه الحقيقة في ضميره فلم يطق عليها سكوتاً ؛ ولم يقبع في داره بعقيدته وهو يرى الضلال من حوله والجحود والفجور ؛ ولكنه سعى بالحق الذي استقر في ضميره وتحرك في شعوره . سعى به إلى قومه وهم يكذبون ويجحدون ويتوعدون ويهددون . وجاء من أقصى المدينة يسعى ليقوم بواجبه في دعوة قومه إلى الحق ، وفي كفهم عن البغي ، وفي مقاومة اعتدائهم الأثيم الذي يوشكون أن يصبوه على المرسلين .

وظاهر أن الرجل لم يكن ذا جاه ولا سلطان . ولم يكن في عزوة من قومه أو منعة من عشيرته . ولكنها العقيدة الحية في ضميره تدفعه وتجيء به من أقصى المدينة إلى أقصاها . .

( قال : يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) . .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{وَجَآءَ مِنۡ أَقۡصَا ٱلۡمَدِينَةِ رَجُلٞ يَسۡعَىٰ قَالَ يَٰقَوۡمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (20)

شرح الكلمات :

{ وجاء } : أي جاء حبيب بن النجار صاحب يس .

{ من أقصى المدينة } : أي من أقصا دور المدينة وهي أنطاكيا العاصمة .

{ يسعى } : أي يشتد مسرعاً لما بلغه أن أهل البلد عزموا على قتل رسل عيسى الثلاثة .

{ قال يا قوم اتبعوا المرسلين } : أي رسل عيسى عليه السلام .

المعنى :

ما زال السياق في مَثَلِ أصحاب القرية إنه بعد أن تعزز موقف الرسل الثلاثة وأعطاهم الله من الكرامات ما أبرأوا به المرضى بل وأحيوا الموتى بإذن الله وأصبح لهم أتباع مؤمنون غضب رؤساء البلاد وأرادوا أن يبطشوا بالرسل ، وبلغ ذلك حبيب بن النجار وكان شيخاً مؤمناً موحداً يسكن في طرف المدينة الأقصى فجاء يشتد سعيا على قدميه فأمر ونهى وصارح القوم بإيمانه وتوحيده فقتلوه رفْساً بأرجلهم قال تعالى { وجاء من أقصى المدينة } -أنطاكية- { رجل يسعى } أي يمشى بسرعة لما بلغه أن أهل البلاد قد عزموا على قتل الرسل الثلاثة وما إن وصل إلى الجماهير الهائجة حتى قال بأعلى صوته : { يا قوم اتبعوا المرسلين } وسأل الرسل هل طلبتم على إبلاغكم دعوة عيسى أجراً قالوا لا .

/ذ27