ثم يربط السياق بين القرآن وسائر الوحي قبله ؛ وبين رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وسائر الرسل قبله . ويجمع اسرة النبوة كلها في ندوة واحدة تتلقى من ربها حديثاً واحداً ، ترتبط به أرواحها وقلوبها ، وتتصل به طريقها ودعوتها ؛ ويحس المسلم الأخير أنه فرع من شجرة وارفة عميقة الجذور ، وعضو من أسرة عريقة قديمة التاريخ :
( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك . إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) . .
إنه وحي واحد ، ورسالة واحدة ، وعقيدة واحدة . وإنه كذلك استقبال واحد من البشرية ، وتكذيب واحد ، واعتراضات واحدة . . ثم هي بعد ذلك وشيجة واحدة ، وشجرة واحدة ، وأسرة واحدة ، وآلام واحدة ، وتجارب واحدة ، وهدف في نهاية الأمر واحد ، وطريق واصل ممدود .
أي شعور بالأنس ، والقوة ، والصبر ، والتصميم . توحيه هذه الحقيقة لأصحاب الدعوة ، السالكين في طريق سار فيها من قبل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد وإخوانهم جميعاً - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ?
وأي شعور بالكرامة والاعتزاز والاستعلاء على مصاعب الطريق وعثرتها وأشواكها وعقباتها ، وصاحب الدعوة يمضي وهو يشعر أن اسلافه في هذا الطريق هم تلك العصبة المختارة من بني البشر أجمعين ?
إنها حقيقة : ( ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك ) . . ولكن أي آثار هائلة عميقة ينشئها استقرار هذه الحقيقة في نفوس المؤمنين ?
وهذا ما يصنعه هذا القرآن ، وهو يقرر مثل هذه الحقيقة الضخمة ويزرعها في القلوب .
ومما قيل للرسل وقيل لمحمد [ صلى الله عليه وسلم ] خاتم الرسل :
( إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) . .
ذلك كي تستقيم نفس المؤمن وتتوازن . فيطمع في رحمة الله ومغفرته فلا ييأس منها أبداً . ويحذر عقاب الله ويخشاه فلا يغفل عنه أبداً .
{ ما يقال لك } : أي من التكذيب أيها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
{ إلا ما قد قيل للرسل من قبلك } : أي من التكذيب لهم والكذب عليهم .
{ إن ربك لذو مغفرة } : أي ذو مغفرة واسعة تشمل كل تائب إليه صادق في توبته .
{ وذو عقاب أليم } : أي معاقبة شديدة ذات ألم موجع للمصرين على الكفر والباطل .
بعد توالي الآيات الهادية من الضلالة الموجبة للإِيمان كفار قريش لا يزيدهم ذلك إلا عناداً وإصراراً على تكذيب الرسول والكفر به وبما جاء به من عند ربه ، ولما كان الرسول بشراً يحتاج إلى عون حتى يصبر أنزل تعالى هذه الآيات في تسليته صلى الله عليه وسلم وحمله على الثبات والصبر فقال تعالى : { ما يقال لك } يا رسولنا من الكذب عليك والتكذيب لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك .
وقوله تعالى : { إن ربك لذو مغفرة } أي لمن تاب فلذا لا يتعجل بإهلاك المكذبين رجاء أن يتوبوا ويؤمنوا ويوحدوا ، وذو عقاب أليم أي موجع شديد لمن مات على كفره .
- تسلية الرسول أي حمله على الصبر والسلوان ليواصل دعوته إلى نهايتها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.