نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةٖ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٖ} (43)

ولما وصف الذكر بأنه لا يصح ولا يتصور أن يلحقه نقص ، فبطل قولهم { لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه } ونحوه مما مضى وحصل الأمن منه ، أتبعه التسلية مما يلحق به من الغم ليقع الصبر على جميع أقوالهم فقال : { ما يقال لك } أي يبرز إلى الوجود قوله سواء كان في ماضي الزمان أو حاضره آو آتيه من شيء من الكفار أو غيرهم يحصل به ضيق صدر أو تشويش فكر من قولهم { قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه } إلى آخره . وغير ذلك مما تقدم أنهم قالوه له متعنتين به { إلا ما } أي شيء { قد قيل } أي حصل قوله على ذلك الوجه { للرسل } وإن لم يقل لكل واحد منهم فإنه قيل للمجموع ، ونبه على أن ذلك ليس لمستغرق للزمان بل تارة وتارة بإدخال الجار في قوله : { من قبلك } ولما حصل بهذا الكلام ما أريد من التأسية ، فكان موضع التوقع لهم أن يحل بهم ما حل بالأمم قبلهم من عذاب الاستئصال ، وكان صلى الله عليه وسلم شديد الشفقة عليهم والمحبة لصلاحهم ، سكن سبحانه روعه بالإعلام بأن رحمته سبقت غضبه فقال مخوفاً مرجياً لأجل إنكار المنكرين : { إن } وأشار إلى مزيد رفعته بذكر صفة الإحسان وإفراد الضمير فقال : { ربك } أي المحسن إليك بارسالك وإنزال كتابه إليك ، ومن أكرم بمثل هذا لا ينبغي له أن يحزن لشيء يعرض { لذو مغفرة } أي عظيمة جداً في نفسها وزمانها ومكانها لمن يشاء منهم ، فلا يقطع لأحد بشقاء .

ولما رغبهم باتصافه بالمغفرة ، رهبهم باتصافه بالانتقام ، وأكد باعادة " ذو " والواو فقال : { وذو عقاب } والختم بما رويه الميم مع تقديم الاسم الميمي في التي قبلها دال للأشعري الذي قال بأن الفواصل غير مراعية في الكتاب العزيز ، وإنما المعول عليه المعاني لا غير ، والمعنى هنا على إيلام من كانوا يؤلمون أولياءه باللغو عند التلاوة الدالة على غاية العناد ، فلذلك قدم حكيم ، ولم يقل شديد ، وقال : { أليم * } أي كذلك ، فلا يقطع لأحد بنجاة إلا من أخبر هو سبحانه بإشقائه أو إنجائه ، وقد تقدم فعله لكل من الأمرين أنجى ناساً وغفر لهم كقوم يونس عليه الصلاة والسلام ، وعاقب آخرين ، وسيفعل في قومك من كل من الأمرين ما هو الأليق بالرحمة بإرسالك ، كما أشار إليه ابتداؤه بالمغفرة ، فالآية نحو : إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ، ولعله لم يصرح هنا تعظيماً للقرآن الذي الكلام بسببه .